مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٣٥ - الصفحة ١٩
كتابة السنة، فأمسكوا عن تدوينها، وتشددوا ضد الذين كانوا يكتبونها، وكانوا يتلفون ما كتب منها، ولم يرد على لسان أحد من الصحابة أن النبي (ص) نسخ حديث النهي عن كتابتها)..
والمفارقات الواضحة في هذا الكلام نوجزها في ما يلي:
أولا: الذين كتبوا ما كتب من السنة، وكانوا يكتبونها - حسب تعبيره - لم يكونوا - قطعا - إلا من الصحابة الذين اتصلوا بالنبي مباشرة، ولم يكونوا غرباء خلقوا فجأة في مجتمع الصحابة!
ومع هذه الحقيقة الضمنية في كلامه، فإن عنوان (إمساك الصحابة عن تدوين السنة) متهافت لا يناسب هذه الحقيقة على الأقل، لأن هؤلاء لم يمسكوا عن التدوين!
وماذا كان يضر المؤلف لو عنون للفصل ب‍ (إمساك بعض الصحابة عن تدوين السنة)؟! لكن ليس لهذا العنوان، وقع قوي مثل ما للعنوان الأول، على طريق ما بيته المؤلف؟!
وثانيا: قوله: (تمسك الصحابة بالحديث الذي نهى فيه النبي (ص) عن تدوين السنة) يوحي أن (حديث النهي) ثابت لا ريب فيه، وقد عرفت - قريبا - أنه لم يثبت لتردده بين أن يكون موقوفا على أبي سعيد ومن كلامه هو، لا من كلامه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبين أن يكون مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف يوحي خلاف ذلك؟!
مع أنه لم يثبت مورد واحد جاء فيه (تمسك الصحابة) بما نسب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حديث النهي، وقد تتبعنا جميع ما ورد في الباب، فلم نقف على مثل ذلك ثابتا في حديث صحيح لا علة فيه، وقد اعترف الباحثون عن مسألة التدوين بنفي استناد الصحابة إلى حديث في النهي، حتى أولئك الذين تشددوا من الصحابة في أمر التدوين، لم يجسروا على نسبة المنع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لعلهم لم يفعلوا ذلك لأنهم لم يلتزموا
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»
الفهرست