التعليقة على الفوائد الرضوية - القاضي سعيد القمي - الصفحة ٦٢
الإمام عليه السلام أعرض عن السائل من حيث إنه أساء الأدب بالنسبة إليه عليه السلام، ثم توجه إلى الله وخاطبه بما هو جواب للسائل بأدق طريق وأكمل تحقيق، وإما أن يتوجه إلى السائل لا من حيث نفسه، بل من حيث إنه مستهلك بذاته عند نظر الإمام عليه السلام، والقيوم قائم مقامه، لأنه سبحانه القائم على كل نفس بما كسبت، وإذا كان هو القائم على النفوس فالكل قاعد عن ادعاء الوجود، راجل عن البروز إلى عرصة الشهود، عاجز عن الانتساب إلى مرتبة من مراتب التحقق، واقف على عدمه الأصلي في ميدان التسابق، وأصدق بيت قالته العرب:
ألا كل شئ ما خلا الله باطل (1)...
وهذه الحيثية هي التي نفى بها الإمام عن السائل هذا القول، ونسبه إلى الله عز شأنه، كما ذكرنا في أحد احتمالي قوله: " ممن تقول " والمآل في توجيهي الخطاب إلى أمر واحد والتغاير بمحض الاعتبار، فافهم راشدا.
صرنا نحن نحن: أي صيرورتنا نحن متسببة عن كونك أنت أنت، بمعنى أنك كنت أولا أنت مرة واحدة إذ لا نعت في الحضرة الأحدية ولا اسم ولا رسم هناك، فلما رأيت نفسك وعقلت ذاتك كنت أنت أنت مرتين، فتحققت الغيرية التي هي أصل العدد وإن كانت بالاعتبار فصرنا نحن نحن، وعبر عن تلك المرتبة الذاتية بقوله: " بينا أنت أنت ".
ومما ذكرنا: ظهر أن جوابه يصلح لأن يكون جوابا عن كلا السؤالين، فإن كل مسؤولاته من أشعة وجه الله وظلال نوره، وهو حقيقة كل ذي حقيقة، فافهم واغتنم.

1 - ديوان لبيد: 148، وانظر السيرة النبوية لابن هشام 1: 392، العقد الفريد 5: 273.
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»
الفهرست