التعليقة على الفوائد الرضوية - القاضي سعيد القمي - الصفحة ١٢٤
إنما يحصل بالحلم وتحمل المشاق مع الاستغناء عن الناس، وكذا الصبر مع البلاء، لأن العزة في أي موطن تراد إنما تتأتى بالصبر على المصائب والبلاء.
إيضاح المراد بالقوة المربية في قوى النفس النباتية هي النامية، ولعل المراد بالفكر في قوى الناطقة هي القوة المدركة أعم من أن تكون مدركة الصور أو المعاني، وبالذكر القوة الحافظة كذلك، وبالعلم القوة النظرية، وبالحلم القوة العملية (1) وبالنباهة القوة الحدسية، ويمكن في الثلاثة الأول أن تكون هي مراتب القوة النظرية وفي الأخيرتين كما ذكرنا.
وبالجملة: لا ريب أن القوى إذا استعملت فيما يليق بها وفيما تخلق لأجلها يورث النزاهة والتجرد من المواد، والتقدس عن مذام الصفات والأخلاق على الوجه السداد، وينجي من الوقوع في شكوك الأهواء والتورط في مضلات الآراء، ويوجب العلم بحقائق الأشياء والمعرفة بكيفية الترقي من المسببات إلى أسبابها، بل يورث التحقق بتلك الحقائق والتعلق بهذه الرقائق كما قيل في مرتبة العقل بالفعل.
وأما قوى النفس الكلية الإلهية، فاعلم أن كلمة " في " كلما وردت في مثل هذه المواضع فهي للسببية، مثلها في قوله صلى الله عليه وآله: (إن امرأة دخلت النار في هرة) (2) فالبقاء الدائم لا يمكن إلا بالفناء عن كل شئ حتى عن الفناء (3) والنعيم الدائم لا يحصل إلا بتحمل المشاق ومقاسات الشدائد واستدامة هذا الذواق، وكذا العزة الثابتة عند الله لا تنال إلا بالذل بين

1 - في نسخة " ل ": العلمية.
2 - مسند أحمد بن حنبل 2: 507.
3 - في نسخة " ل ": الغناء.
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 127 128 129 130 ... » »»
الفهرست