مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ٦١
معلومة بل قد يستشعر أو يستظهر من المتن التفصيل حيث جعل محل الخلاف التمر والزبيب دون الحنطة والشعير فهو مشعر بالمفروغية عن صدق الاسم فيهما الذي هو مناط الوجوب عنده ومنها عمومات وجوب الزكاة خرج ما خرج وبقي الباقي وقد يقال في تعريب هذا الدليل أن مقتضى العمومات وجوب الزكاة فيما سقته السماء مطلقا أو أدلة تعلق الزكاة بالحنطة والشعير والتمر والزبيب أي الاخبار الحاصرة للزكاة في هذه الأجناس لا تنهض لتقييدها لان المتبادر منها إرادة الأجناس الأربعة في مقابل الأجناس الاخر دون العنب والرطب مثلا وفيه أنه ان أريد بالعمومات ما كان من قبيل آية الصدقة وأشباهها فهي أحكام مجملة لا مصرح للاخذ بعمومها بعد ورود الأخبار المستفيضة أو المتواترة المبينة لما تجب فيه الزكاة وحصرها في الأجناس التسعة الزكوية وإن أريد بها ما كان من قبيل ما سقته السماء ففيه العشر وما سقي بالدوالي ففيه نصف العشر ففيه أنه لم يقصد بالموصول في مثل هذه الأخبار العموم أو الاطلاق بل هي إشارة إلى الأجناس الزكوية المعهودة أي الغلات الأربع كما أفصح عن ذلك قوله (ع) في صحيحة زرارة ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أو ساق ففيه العشر وما كان منه يسقى بالرشاء والدوالي والنواضح فنصف العشر والحاصل ان دعوى استفادة وجوب الزكاة في الحصرم والعنب والبسر والرطب من مثل هذه الأدلة مجاز فيه بل هي ناشئة من متابعة المشهور فلو كانت الشهرة بخلافه لم يكن يتوهم أحد كون هذه الأدلة منافية له ومنها صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أو ساق والعنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أو ساق زبيبا وهذه الصحيحة تدل على ثبوت الزكاة في العنب إذا بلغ خمسة أوسق لو قدر زبيبا فيتم فيما عداه بعدم القول بالفصل وأورد عليه في محكى الذخيرة بأن لمفهوم الصحيحة احتمالين أحدهما إناطة الوجوب بحاله ثبت له البلوغ فيها خمسة أوسق حال كونه زبيبا وثانيهما إناطته بحالة بقدر له هذا الوصف والاستدلال بها إنما يتم على ظهور الثاني وهو في موضع المنع بل لا يبعد ادعاء ظهور الأول إذ اعتبار التقدير خلاف الظاهر انتهى وأجاب عنه في مفتاح الكرامة بما لفظه وفيه ان حاصل الوجه الأول انها تجب في العنب إذا كان زبيبا ومن المعلوم زوال وصف العنبية عن كونه زبيبا كما تقول تجب صلاة الفريضة على الصغير إذا كان كبيرا وأنت خبير بسقوط مثل هذا التعبير عن درجة الاعتبار فلا بد من المصير إلى التقدير إذا ورد مثله في الاخبار والاعتذار بأنه تساهل في التعبير باعتبار ما يؤل إليه كما في الاسناد إلى النخل مما لا يعول عليه ولا يصغى إليه كما هو واضح لمن وجه النظر إليه وفي الاسناد إلى النخل دلالة أخرى هي أولى بالاعتبار وأحرى إذ الظاهر من الاسناد إليه إرادة ثمرة إذ هو أقرب المجازات وأشهرها بل المشهور منها بل لم يعهد إطلاقه على خصوص التمر بحيث لم يرد غيره مما تقدمه من البسر والرطب إلى أن قال على أنه لو كان المراد منه التمر وحده لا ما قبله لا وجه للعدول عن التمر إلى النخل لأنه لا يسوغ إلا للأخصرية والأظهرية أو حكمة أخرى هي بالمراعاة أحرى ولا شئ من ذلك بموجود في المقام انتهى أقول الحق إن العبارة المذكورة في الرواية قابلة للمعنيين كما ذكره في الذخيرة ولكن الظاهر كون كلمة زبيبا تميزا لا حالا عن اسم يكون وعلى أي حال فأما أن يكون المراد بكونه خمسة أوسق زبيبا كونه كذلك بالفعل أي خمسة أوسق من الزبيب أو بالقوة بان يكون بمقدار لو جف لكان خمسة أوسق والأول أي إرادة الفعلية أوفق بظاهر اللفظ ولكن لا يناسبها لفظ العنب الذي أخذ موضوعا لهذا الحكم لزوال وصف العنبية عند اتصافه بصفة الزبيبية فلا يصح الحمل الا بإرادة معنى الصيرورة من لفظ يكون وهو مخالف للأصل كما أن إرادة الثانية من قوله حتى يكون خمسة أوسق زبيبا أيضا كذلك فيتعارض الاحتمالان ويشكل ترجيح أحدهما على الاخر وأما ما قيل من أن في الاسناد إلى النخل دلالة على إرادة ثمرته مطلقا فيدل على ثبوتها في البسر والرطب ففيه أن قوله حتى يبلغ خمسة أو ساق الذي هو شاهد على هذا التقدير يجعله كالنص في إرادة خصوص التمر الذي هو معظم ثمرته ولعل النكتة في العدول عن التمر إلى النخل التنبيه على اعتبار النماء في الملك في ثبوت الصدقة فيه لا مطلق تملكه ثم لو سلم دلالة هذه الصحيحة على ثبوت الزكاة في العنب قبل جفافه فتمامية الاستدلال بها لمذهب المشهور موقوف على عدم القول بالفصل بينه وبين غيره من ثمرة النخل والكرم ولم يتحقق ذلك بل قد سمعت نسبة القول بالتفصيل إلى ابن الجنيد وفي المدارك اختياره ومن هنا يظهر الخدشة في الاستدلال له بخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يكون في الحب ولا في النخل ولا في العنب زكاة حتى يبلغ وسقين و الوسق ستون صاعا مع اشتماله على ما لا نقول به من كون الوسقين نصابا واستدل له أيضا بصحيحة سعد بن سعد قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن أقل ما يجب فيه الزكاة من البر والشعير والتمر والزبيب فقال خمسة أو ساق بوسق النبي صلى الله عليه وآله فقلت كم الوسق قال ستون صاعا قلت فهل على العنب زكاة أو إنما تجب عليه إذا صيره زبيبا قال نعم إذا خرصه أخرج زكاته وهذه الصحيحة صريحة في تعلقها بالعنب و ظاهرها ثبوت الوجوب من حين الخرص وقد صرح الأصحاب بأن زمان الخرص من حين بدو الصلاح وأوضح من ذلك دلالة على ثبوت الزكاة من حين الخرص صحيحة سعد الأخرى عن أبي الحسن عليه السلام قال سئلته عن الرجل تحل عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات أيؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد فقال متى حلت أخرجها وعن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى تجب على صاحبها قال إذا ما صرم وإذا كان خرص ونوقش في الاستدلال بهاتين الصحيحتين بإمكان كون الخرص الوارد فيهما بالحاء المهملة من حرص المرعى إذا لم يترك منه شيئا بل لعل هذا هو المتعين في الصحيحة الثانية إذ لا معنى لجعل الوقت الصرام والخرص بالمعجمة لاختلافهما جدا ومن هنا قيل على تقدير كونه بالمعجمة يراد منه وقت الصرام أيضا أقول أما احتمال كون الحصر بالحاء المهملة فمما لا ينبغي الالتفات إليه بعد كونه من الكتب المعتبرة مرسوما بالمعجمة ولكن الجمع بينه وبين الصرام في الصحيحة الثانية في جعلهما شرطا للوجوب أوجب الاجمال فيما أريد من الشرطين حيث لم يعلم بأن العبرة بتحقق كل من الفعلين في جميع الغلات الأربع أو بكل منهما على سبيل البدل بأن يكون الشرط حصول أحد الامرين فتكون الواو للترديد أو بحصول كل منهما في بعض منها على سبيل التوزيع أو أن المقصود بهما بيان زمان تنجز التكليف بالزكاة الذي تمكنه من معرفة مقدار الغلة وبلوغه حد النصاب بالاعتبار بالكل المتوقف على الصرام أو بالخرص فكأنه قال متى صرمها أو عرف مقدارها بالخرص تنجز في حقه التكليف بتزكيتها فعلى هذا يتجه الاستدلال بها للمشهور حيث أن تنجز التكليف بالاخراج يتوقف على تعلق الزكاة بها من حيث هي من أول زمان إمكان معرفة مقدارها بالخرص وأن لم يتنجز
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»