مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ٦٤
في السؤال بلفظ المزارعة وفي الخبر الثاني والعشر ونصف العشر في حصصهم كون المفروض فيهما وقوع القبالة بحصة من حاصل الزرع والنخل وهذا مما يسمى في عرف الفقهاء بالمقاسمة ولا شبهة في أن حصة السلطان المأخوذة بعنوان المقاسمة لا يجب زكاتها على المتقبل لأنها كالحصة من المزارعة التي يستحقها مالك الأرض فلا تدخل ذلك في ملك المتقبل كي يتوهم وجوب زكاتها عليه وهذا بخلاف ما يأخذه السلطان بعنوان الخراج الذي هو لدى التحقيق عبارة عن أجرة الأرض المتعلقة بذمة المستأجر فيكون حاصل نمائها جميعه للمتقبل وما يدفع منه إلى السلطان يقع بدلا عن حقه لا عينه فلو قلنا بانصراف الخبرين بواسطة الألفاظ المزبورة إلى إرادة الحكم في صورة وقوع القبالة على سبيل المقاسمة أشكل الاستدلال بها لعموم المدعى من عدم وجوب الزكاة إلا بعد إخراج حصة السلطان بمعناها الشامل لكلا القسمين لما عرفت من الفرق بينهما فيما هو مناط الحكم فلا يصح مقايسة الخراج بالمقاسمة ولكن دعوى الانصراف قابلة للمنع فليتأمل واستدل له أيضا بما عن الفقه الرضوي وليس في الحنطة والشعير شئ إلا أن يبلغ خمسة أوسق والوسق ستون صاعا والصاع أربعة أمداد والمد مأتان واثنان و تسعون درهما ونصف فإذا بلغ ذلك وحصل بعد خراج السلطان ومؤنة العمارة والقرية أخرج منه العشر إن كان سقي بماء المطر أو كان بعلا وإن كان سقي بالدلاء ففيه نصف العشر وفي التمر والزبيب مثل ما في الحنطة والشعير وفي الحدائق بعد أن نقل هذه العبارة دليلا للقول باستثناء المؤنة مطلقا قال وبهذه العبارة عبر الصدوق في الفقيه ومنه يظهر إن مستنده في الحكم المذكور إنما هو هذا الكتاب أقول وحكي عن الهداية والمقنع والمقنعة أيضا التعبير بنحو ما في الفقيه من استثناء خراج السلطان ومؤنة القرية فكأنه أريد بمؤنة القرية ما له دخل في تحصيل الغلة أي مؤنة الزرع الحاصل في القرية من حيث حصوله فيها فإن أرباب القرى يعاملون غالبا مع من يزرع في قريتهم بمعاملة السلطان مع رعاياه في وضع الخراج عليهم وافراد بمؤنة العمارة بحسب الظاهر ما كان من قبيل كري الأنهار ونحوه مما يجعل الأرض عامرة وكيف كان فالعبارة المزبورة كالنص في عدم وجوب الزكاة إلا بعد خراج السلطان مطلقا وإن كان من جنس الدراهم ولو باعتبار اندراج هذا القسم منه في المؤنة التي تدل هذه العبارة على استثنائها بالفحوى ولكن لم يثبت لدينا حجية الرضوي فيشكل الاعتماد عليه اللهم إلا أن يجعل الاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة المحققة جابرة لضعف سنده وهو لا يخلو من الاشكال ولكن قد أشرنا في غير موضع إلى أنه وإن لم يثبت عندنا كون الفقه الرضوي من الإمام (ع) ولكنه لا مجال للارتياب في كونه كفتاوى علي بن بابويه التي كانت مرجعا للشيعة عند اعواز النصوص تعبيرا عن مضامين أخبار معتبرة لدى مصنفه فوقوع هذه العبارة في عبارة الرضوي المعتضدة بورودها في الفقيه والهداية والمقنع والمقنعة التي من شأنها التعبير بمتون الاخبار خصوصا مع ما فيها من استثناء مؤنة القرية التي يمتنع صدور مثله من مثل الصدوق ولولا متابعة النص يورث الجزم بوصول رواية بهذا المضمون إليهم معتبرة لديهم وكفى باستكشاف وجود مثل هذه الرواية من مثل هذه العبارة لاثبات مثل هذا الفرع الذي استفيض نقل الاجماع عليه معتضدا بالشهرة المحققة التي قد يدعى كونها بنفسها كافية في الكشف عن وصول دليل معتبر إليهم مع اعتضاد ذلك كله بالمؤيدات التي سنذكرها في استثناء المؤنة فلا ينبغي الاستشكال في استثناء خراج السلطان مطلقا ولو لم نقل به في ساير المؤن أيضا والله العالم ثم لا يخفى عليك أن ليس المراد بالسلطان خصوص سلطان العادل بل أعم منه ومن المخالفين الذين كانوا يدعون الخلافة والولاية على المسلمين لا عن استحقاق كما هو الشأن بالنسبة إلى الموجودين حال صدور الاخبار وهل يعم سلاطين الشيعة الذين لا يدعون الإمامة الظاهر ذلك فإن المنساقين من إطلاق السلطان أريد مطلقة بل كل متقلبة مسؤول على جباية الخراج والصدقات من غير التفات إلى مذهبه كما يؤيد ذلك ما جرى عليه سيرة المسلمين في عصر الرضا عليه السلام من المعاملة مع المأثور معاملة غيره ممن مد مضى قبله من سلاطين الجور المدعين للخلافة عن استحقاق ولو أخذ الجائر زائدا عن الخراج ظلما ففي المسالك قال لا يستثنى الزائد إلا أن يأخذ قهرا بحيث لا يتمكن من منعه سرا وجهرا فلا يضمن حصة الفقراء. أقول: ما ذكره من عدم استثناء الزائد لدى تمكنه من عدم الدفع إليه وعدم ضمانه حصة الفقراء لدى الاخذ منه قهرا مما لا ينبغي الاستشكال فيه ولكن الاشكال في أنه لدى عدم قدرته على الامتناع هل يعتبر النصاب بعده كما في مقدار الخراج المعتاد قبله كما لو غصب منه في الزيادة غاصب بعد بدو صلاحه الذي يقوى في النظر الأول خصوصا إذا أخذت الزيادة من نفس الغلة إذ المنساق من قوله عليه السلام إنما العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته العموم خصوصا بعد الالتفات إلى إن التعدي في حصة الجائر غير عزيز وهل يلحق بحصة السلطان يأخذه الجائر من الأراضي الغير الخراجية كالموات و أرض الصلح والأنفال الظاهر ذلك لجريان السيرة من صدور الاسلام على المعاملة مع الجائر معاملة السلطان العادل في ترتيب أثر الخراج على ما يأخذه بهذا العنوان و لو من غير الأرض الخراجية ولو منعنا هذا السيرة أو صحتها أي كشفها عن إمضاء المعصوم فهو من المؤنة التي سيأتي الكلام فيها وإن كان الغالب على الظن أن مراد الأصحاب بحصة السلطان في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكية ما يعمه والله العالم وأما وجوب الزكاة فيما بقي في يده بعد إخراج الخراج إذا كان بالغا للنصاب فلا خلاف فيه بيننا بل عن جملة من الأصحاب منهم المصنف في المعتبر و العلامة في التذكرة دعوى الاجماع عليه بل في الحدائق بعد أن ادعى إجماع الأصحاب عليه قال وهو المشهور بين الجمهور أيضا ثم قال ولم ينقل الخلاف هنا إلا عن أبي حنيفة فإنه ذهب إلى أنه لا زكاة فيها بعد أخذ الخراج ويدل عليه صريحا مضافا إلى الاجماع صحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم ورواية صفوان والبزنطي والرضوي المتقدمات ولكن قد ورد في عدة روايات ما ينافي ذلك منها صحيحة رفاعة قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل له الضيعة فيؤدي خراجها هل عليه فيها عشر قال لا وروايته الأخرى عنه أيضا قال سئلته عن الرجل يرث الأرض ويعمرها فيؤدي خراجها إلى السلطان هل عليه عشر قال لا ورواية أبي كميش عن أبي عبد الله عليه السلام قال من أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه ورواية سهيل اليسع أنه حيث إنشاء سهل أباد سئل أبا الحسن عليه السلام عما يخرج منها ما عليه فقال إن كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شئ وإن لم يأخذ السلطان منك شيئا فعليك إخراج عشر ما يكون فيها وهذه الروايات بعد شذوذها وموافقتها للمحكى عن أبي حنيفة لا تصلح معارضة لما عرفت وفي الحدائق بعد أن ذكر رواية أبي كهمش
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»