مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ٦٧
ففيه بعد الغض عما عرف من عدم كونه شركة حقيقية أنه إن تم فهو بالنسبة إلى المؤن المتأخرة عن تعلق حق الفقراء به ودعوى عدم القول بالفصل أي الاجماع المركب غير ثابتة ومن هنا يظهر الخدشة في الاستدلال بقوله عليه السلام ويترك للحارس العذق والعذقان والثلاثة فإنه لا يدل إلا على استثناء المؤنة المتأخرة من زمان الخرص الذي هو بعد تعلق الوجوب ولم يثبت الاجتماع على عدم الفرق بينها وبين المؤن السابقة عليه وربما يناقش فيه أيضا بأنه على خلاف المطلوب أدل فإن تخصيص الاستثناء في أخبار الخرص بالعذق والعذقين والثلاثة للحارس من أقوى الشواهد على عدم احتساب ساير المؤن وإن ترك العذق والعذقين كعدم احتساب بأم جعرور ومعافارة من باب التخفيف المستحب للحارس وإلا لكان ينبغي أن يحتسب جميع المؤن وأما ما يؤخر ذلك كله إلى ما بعد الجذاذ ويدفعه إن ظاهره بمقتضى ما فيه من التعليل من باب الاستحقاق لا التخفيف وأوضح من ذلك دلالة على استثناء ما يستحقه الحارس ما في صدر هذا الحديث من التصريح بإعطاء أجر الحارس ففي الكافي بإسناده عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل وأتوا حقه يوم حصاده فقالوا جميعا قال أبو جعفر عليه السلام هذا من الصدقة يعطي المسكين القبضة بعد القبضة ومن الجذاذ الحفنة بعد الحفنة حتى يفرغ ويعطي الحارس أجرا معلوما ويترك من النخل معافارة وأم جعرور ويترك للحارس يكون في الحائط العذق والعذقان والثلاثة لحفظه إياه ورواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن يعقوب نحوه إلا أنه قال ويترك للحارس أجرا معلوما يدل يعطي وكيف كان فهذه الصحيحة هي عمدة ما يصح الاستدلال به لمذهب المشهور ولكنها غير وافية بعموم المدعى إلا بضميمة الاجماع كما أدعى وهو غير ثابت فيشكل التعويل عليه وأما ما قيل من أن الزكاة في الغلات تجب في النماء والفائدة ففيه إن هذا هو عين الدعوى وأما الرضوي فليس بحجة ولكن هاهنا شئ وهو أن هذه المسألة من الفروع العامة البلوى التي يجب معرفتها والفحص عنها على كل من يجب عليه الزكاة فيمتنع عادة غفلة أصحاب الأئمة عليهم السلام عن ذلك وعدم الفصح عن حكمها مع شدة حاجتهم إلى معرفته كما أنه يستحيل عادة أن يشتهر لديهم استثناء المؤنة مع مخالفته لما هو المشهور بين العامة من غير وصوله إليهم من أئمتهم عليهم السلام وعلى تقدير عدم اشتهار الاستثناء عندهم بكون الحكم لديهم لا محالة على حسب ما يراه العامة من عدم الاستثناء إذ المفروض من عدم غفلتهم عن هذا الحكم مع عموم ابتلائهم به فهم أما كانوا قائلين بالاستثناء أو بعدمه وعلى الأول لم يكن ذلك إلا لوصوله إليهم من الإمام عليه السلام لقضاء العادة باستحالة صدور مثل هذا الحكم المخالف لما عليه العامة عن اجتهاد ورأي من غير مراجعة الامام على تقدير كونهم قائلين بعدم الاستثناء كما عليه العامة أمتنع عادة أن يشتهر خلافه في الأعصار المتأخرة عنهم تعويلا على الوجوه الضعيفة التي ذكروها في مقابل إطلاقات الأدلة بل أنما يعول المتأخرون على مثل هذه الأدلة ويعدونه دليلا بعد أن وجدوا الحكم معروفا في المذهب ولم يجدوا نصا خاصا يدل عليه والحاصل أنه يصح أن يدعي في مثل المقام استكشاف رأي الإمام عليه السلام بطريق الحدس من رأي الباعة فالانصاف إنه لو جاز استكشاف رأي المعصوم (ع) من فتوى الأصحاب فشئ من الموارد فهذا من أظهر مصاديقه فإذا أنضم إلى ذلك ما في الصحيحة المتقدمة من استثناء ما يستحقه الحارس من الاجر والعذق والعذقين مع ما سمعته من دعوى عدم القول بالفصل بينه وبين سائر المؤن ووقوع التصريح بخروج مؤنة القرية وخراج السلطان في عبارة الرضوي والهداية والمقنع وغيرها مما يغلب على الظن كونه تعبيرا عن صون الاخبار لا يبقى مجال للتشكيك فيه والله العالم بحقايق أحكامه ثم أنه هل يعتبر النصاب بعد المؤنة فلا زكاة فيما لو نقص باستثنائها عن النصاب أم قبلها فيزكي الباقي وإن قل إذا كان المجموع نصابا أم يفصل بين ما سبق على الوجوب كالسقي والحرث فيعتبر النصاب بعده وما تأخر عنه كالجذاذ والحصاد وأجر الناطور ونحوها فيعتبر قبله وجوه بل أقوال أشهرها بل المشهور على ما صرح في الجواهر الأول وهو الأشبه لأصالة براءة الذمة عن وجوب الزكاة فيما نقص بعد إخراج المؤنة عن النصاب وربما يشهد له أيضا عبارة الفقه الرضوي بناء على حجيته فإن المنساق من قوله بعد بيان مقدار النصاب فإذا بلغ ذلك وحصل بعد خراج السلطان ومؤنة العمارة والقرية أخرج منه العشر إلى آخره كون الظرف أي لفظ بعد متعلقا بالفعل الواقع قبله لا بكلمة أخرج الواقعة بعده فلا قصور في دلالته ولكن الشأن في حجيته فليتأمل واستدل له أيضا بأن ظاهر أدلة اعتبار النصاب ثبوت العشر ونصف العشر في مجموع النصاب فيكون الواجب عشر النصاب فما دل على استثناء المؤن لا بد وأن يجعل مقيدا الأدلة اعتبار النصاب بما بعد وضع المؤن إبقاء اللفظ العشر ونصف العشر على ظاهره من الاطلاق توضيح ذلك إن المنساق من قوله عليه السلام في صحيحة زرارة ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أو ساق والوسق ستون صاعا فذلك ثلاثمأة صاع ففيه العشر إرادة عشر مجموع الثلاثمأة صاع وهو ثلاثون صاعا فهذه الصحيحة ظاهرها إنه إذا بلغ ما أنبتته الأرض ثلاثمأة صاع ثبت فيه ثلاثون صاعا وقد علم بما دل على استثناء المؤنة أجمالا إنه إذا كان جميع ما أنبتته الأرض بالغا ثلاثمأة صاع لم يجب عشر جميعه أي ثلاثون صاعا فيحتمل أن يكون المراد بقوله ففيه العشر أي فيما يبقى منه بعد اندراج المؤنة فيكون إطلاقه منزلا على الغالب من عدم استيعاب المؤنة للجميع وأن يكون المراد بقوله ما بلغ خمسة أو ساق ما بلغ هذا المقدار بعد وضع المؤن كلها ولكن الاحتمال الثاني أوفق بظاهر قوله ففيه العشر حيث إن ظاهره إرادة عشر مجموع الخمسة أوسق لا ما يبقى منه بعد إخراج المؤن فهذا هو الأولى و مقتضاه جعل ما دل على استثناء المؤنة مقيدا لأدلة اعتبار النصاب بما بعد وضع المؤن ويرد عليه إن هذا ليس بأولى من العكس يجعل ما دل على استثناء المؤنة مقيدا لاطلاق فيه العشر بما بعد وضع المؤن إبقاء الظاهر ما دل على اعتبار النصاب على ظاهره من الاطلاق حيث إن ظاهره إذا بلغ مجموع ما أنبتت الأرض خمسة أوسق لا الباقي منه بعد إخراج المؤن فليس ارتكاب أحد التقييدين بأهون من الآخر فالاحتمالان متكافئان والمرجع حينئذ الأصول العملية و هي براءة الذمة عن وجوب الزكاة فيما نقص عن خمسة أوسق بعد إخراج المؤنة عنه وكفى بهذا دليلا على المطلوب لا يقال إن مقتضى عمومات ثبوت الزكاة في الغلات من مثل قوله عليه السلام فيما سقته السماء العشر ثبوت الزكاة في مطلق ما أنبتت الأرض قليلا كان أو كثيرا وقد تخصص ذلك بما دل على اعتبار النصاب ولكنه لم يعلم المراد من أدلة النصاب من أنه هل أريد اعتباره بعد إخراج المؤنة أم قبله فهو من قبيل المخصص بالمجمل المردد بين الأقل والأكثر فمقتضى
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»