مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ٧٨
كيف كان فهذه الرواية لا تخلو من تشابه وفيما عداها غنى وكفاية ولكن ليس في شئ من هذه الأخبار تصريح بالاستحباب كما يوهمه ظاهر عبارة المصنف رحمه الله الشرط الثالث مضي الحول من حين التجارة أو قصدها على الخلاف المتقدم بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن المعتبر المنتهى إن عليه علماء الاسلام بل عن التذكرة دعوى الاجماع عليه ويدل عليه مضافا إلى ذلك ما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال وسئلته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها فقال إذا حال الحول فليزكها وروى أيضا في الصحيح عن محمد بن مسلم قال كل ما عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال الحول و يحتمل قويا أن يكون متن هذا الخبر هو قول محمد بن مسلم الذي فهمه من كلام الصادق عليه السلام في صحيحته الأولى فإنه على ما رواه في الكافي لم ينسبه في هذه الرواية إلى الامام وكيف كان فهذه الرواية إن لم تكن بنفسها من الامام فهي مؤكدة لصحة روايته الأولى سندا ودلالة كما لا يخفى ولا بد من وجود ما يعتبر في الزكاة من الشرائط المزبورة هاهنا وغيرها مما عرفته في صدر الكتاب من الشرائط المعتبرة في مطلق الزكاة كالملكية والتمكن من التصرف من أول الحول إلى آخره فلو نقص رأس ماله في أثناء الحول ولو يوما أو نوى به القنية كذلك أو خرج عن ملكه أو منع من التصرف فيه بغصب ونحوه مثلا أنقطع الحول بلا خلاف يعتد به في شئ من ذلك على الظاهر ولا إشكال عدى مسألة بقاء رأس المال في تمام الحول فإنه وإن لم ينقل الخلاف فيه أيضا إلا عن بعض متأخري المتأخرين بل نسبه العلامة في التذكرة إلى علمائنا أجمع فقال ما لفظه يشترط وجود رأس المال من أول الحول إلى آخره فلو نقص رأس المال ولو حبة في أثناء الحول أو بعضه لم تتعلق الزكاة به وإن عادت القيمة أستقبل الحول من حين العود عند علمائنا أجمع خلافا للجمهور كافة لان الزكاة شرعت إرفاقا بالمساكين فلا يكون سببا لا ضرار المالك فلا يشرع مع الخسران ولأنها تابعة للنماء عندهم وهو منفي مع الخسران ولقول الصادق عليه السلام أن أمسك متاعه ويبتغي رأس ماله فليس عليه زكاة وإن حبسه بعد ما وجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس ماله إنتهى ولكن عمدة الدليل على اعتبار هذا الشرط هو الخبر المزبور وغيره من الأخبار المتقدمة وأما ما دعى ذلك من الوجهين الذين ذكرهما العلامة فمجرد اعتبار ذكرهما في مقابل العامة مع أنك ستعرف قصورهما عن إفادة المدعي وأما الاخبار فقد اعترفنا بدلالتها على اعتبار أن يطلب برأس المال أو بزيادة لا بنقيصة في أن يجب فيه الزكاة وأما دلالتها على اعتبار ذلك في تمام الحول فمحل نظر ولذا منعه غير واحد من متأخري المتأخرين فعن الذخيرة بعد أن ذكر إنه لو نقص رأس ماله في أثناء الحول أو طلب بنقيصة سقط الاستحباب وإن كان ثمنه أضعاف النصاب قال قال المحقق في المعتبر وعلى ذلك فقهائنا أجمع واستدل عليه بحسنة محمد بن مسلم ورواية أبي ربيع السابقتين وهما إنما تدلان على اشتراط الطلب برأس المال أو الربح لا على اشتراط اعتبار ذلك طول الحول وكذا ما رواه الشيخ في الموثق عن العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت المتاع لا أصيب به رأس المال الحديث أقول وكذا غير ذلك أيضا من الروايات المتقدمة فإن شيئا منها لا يدل على اعتبار هذا الشرط إذ ليس في شئ من تلك الأخبار تعرض لاشتراط حول الحول في تعلق الزكاة بالمال الذي طولب برأس ماله أو بزيادة كما أنه ليس للروايتين الدالتين على اعتبار حول الحول تعرض لاعتبار هذا الشرط فهما شرطان مستقلان لتعلق الزكاة بالمال الذي اتجر به مستفادان من دليلين مستقلين موضوعهما مطلق المال المستعمل في التجارة وقضية الجمع بين دليليهما تقييد سببية كل من الشرطين لوجوب الجزاء بحصول الشرط الآخر بأن يقال المال الذي اتجر به إذا حال عليه الحول وطلب رأس ماله لا بنقيصة ففيه الزكاة وإذا انتفى أحد الشرطين أو كلامهما فلا زكاة لا تقييد موضوع أحدهما بالآخر بحيث يكون الطلب برأس المال قيدا في الموضوع الذي أعتبر فيه حول الحول كي يثبت به المدعي فليتأمل ولو كان بيده نصابا فاشترى به متاعا للتجارة فهاهنا مسئلتان أحداهما فيما إذا كان ما بيده أيضا هي بنفسه مال التجارة وهذه المسألة مرجعها إلى أنه هل يعتبر بقاء عين السلعة طول الحول أم قيمتها وسيأتي التكلم فيها إن شاء الله تعالى الثانية أنه إذا كان نصاب من النقد فمضى بعض حوله ثم اشترى به متاعا للتجارة فهل ينقطع حول الأصل الذي كان زكاته زكاة النقدين قيل والقائل الشيخ فيما حكي عن مبسوطه وخلافه كان حول العرض حول الأصل محتجا عليه بقول الصادق عليه السلام كل عرض فهو مردود إلى الدراهم والدنانير وهو بظاهره احتجاج ضعيف فأنك قد عرفت في مسألة اعتبار الحول في النقدين والانعام إن المعتبر بقاء النصاب بشخصه في تمام الحول وكون العرض مردودا إلى الدراهم ليس معناه بقاء عين تلك الدراهم في ملكه حقيقة كي لا ينقطع حولها فكان استدلال الشيخ بهذه الرواية مبني على مختاره في تلك المسألة من عدم العبرة بخصوصية الأعيان وإنه لو بادل نصابا بجنسه في أثناء الحول لم ينقطع حوله ويمكن أن يجعل بنائه على أن زكاة التجارة إذا كان رأس ماله الدينار أو الدرهم هي لدى التحقيق زكاة عين الدراهم والدنانير المستعملة فيها وأنه لا يشترط في زكاة النقدين بقاء عينهما بل وضع الزكاة عليهما عند بلوغهما النصاب إذا حال عليهما الحول سواء بقي عينهما أو استعملهما في التجارة سنة أو بقيا في بعض السنة وأتجر بهما في الباقي ولا ينافي ذلك الالتزام باستحباب زكاة التجارة فإن بقاء العين على هذا التقدير يكون شرطا للوجوب لا لأصل الزكاة وربما يومي إلى بنائه على هذا المبنى عبارته المحكية عن خلافه حيث قال ما لفظه إذا اشترى عرضا للتجارة ففيه ثلاث مسائل أولاها أن يكون ثمنها نصابا من الدراهم والدنانير فعلى مذهب من قال من أصحابنا إن مال التجارة ليس فيه زكاة ينقطع حول الأصل وعلى مذهب من أوجب فإن حول العرض حول الأصل وبه قال الشافعي قولا واحدا إنتهى فإنه مشعر بكون الحكم مبنيا على القاعدة لا لأجل التعبد وكيف كان فهو ضعيف والأشبه بالقواعد هو استيناف الحول حين الشراء إذ قد عرفت في محله أنه يعتبر في الأجناس الزكوية بقاء عينها طول الحول وإن متعلق الزكاة فيها هي عين تلك الماهيات من حيث هي من غير أن يكون لمقدار ماليتها مدخلية في ذلك بعكس زكاة التجارة فمناط الحكمين مختلف لا دخل لأحدهما بالآخر فإذا اشترى بالدينار متاعا فقد انتفى موضوع زكاة الأصل فكيف يصح البناء على حوله ولو كان رأس المال دون النصاب أستأنف الحول عند بلوغه نصابا فصاعدا ولو بارتفاع قيمة المتاع بلا خلاف فيه كما في الجواهر ولا إشكال وأما أحكامه أي أحكام مال التجارة فمسائل الأولى زكاة
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»