مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ٨٩
المحترف وذي المرة السوي عليه بعد ورود تفسيرهما في رواية زرارة المتقدمة بمن يقدر على أن يكف نفسه عنها ودلالة صحيحة معاوية وخبر هارون على إناطة نفي الجواز بكونه غنيا لا بكونه ذي مرة فالعبرة بذلك لا يصدق اللفظين كي يكون صدقهما عليه بعد الاعتراف باندراجه في موضوع ما دل على جواز الاخذ لمن لا يقدر في الحال على أن يكف نفسه عنها فنشأ للاشكال فالأقوى ما قواه في ذيل كلامه من جواز الدفع إلى كل محتاج في أن حاجته وانعقاد الاجماع على خلافه غير معلوم بل ولا مظنون بل قد يغلب على الظن عدم إرادة المشهور القائلين بعدم جواز الدفع إلى من يقدر على كسب كاف بمؤنته إلا المنع عنه في حال قدرته فهذا مما لا ينبغي الاستشكال فيه وإنما الاشكال فيمن يقدر على كسب لائق بحاله واف بمؤنته ولكنه لم يتعود على الاكتساب ككثير من البطالين وأهل السؤال وأشباههم ممن لهم القدرة وقوة على كثير من الصنايع والحرف اللائقة بحالهم ولكنهم تعودوا على التعيش بأخذ الصدقات والصبر على الفقر والفاقة وتحمل ذل السؤال وتناول وجوه الخيرات والصدقات وترك الاكتساب فإنه يصدق عليهم عرفا اسم الفقير ولكنه في الواقع غنى أي قادر على أن يكف نفسه عنها وقد أشرنا أنفا إلى أن هذا المعنى هو المراد بالغني في هذا الباب في مقابل المحتاج الذي هو معنى الفقير فالقول بعدم الجواز كما نسب إلى المشهور وهو الأقوى وما في الجواهر من دعوى السيرة على دفعها على مثل هذه الاشخاص محل نظر بل منع والله العالم. تنبيه: صرح غير واحد بأنه يجوز للقادر على الاكتساب ترك الكسب والاخذ من الزكاة للاشتغال بأمر واجب ولو كفاية كالتفقه في الدين قال شيخنا المرتضى (ره) ويحتمل تعين الواجب الكفائي على من لا يحتاج إلى الكسب لان المحتاج إليه مشغول الذمة بواجب عيني ثم أشار إلى ما ذهب إليه جملة منهم من جوازه للاشتغال بطلب العلم المستحب لامر به المستلزم لطلب ترك الاكتساب المستلزم لجواز أخذ الزكاة ورده بأنه بعد عمومات تحريم الزكاة على القادر على التكسب يصير التكسب واجبا لأجل حفظ نفسه وعياله فلا يزاحمه استحباب ذلك لان المستحب لا يزاحم الواجب إجماعا ثم قال ودعوى أن تسليم حرمة الاخذ المستلزم لوجوب التكسب مبني على تقديم أدلتها على أدلة ذلك المستحب لم لا يجوز العكس مدفوعة إجمالا بأن المقرر في محله إن استحباب المستحب لعموم دليله لا يزاحم عموم وجوب الواجبات إنتهى أقول لا يخفى عليك إن حفظ النفس لا يتوقف على خصوص الاكتساب فضلا عن كونه بمقدار يخرجه عن حد الفقر فإنه يكفي في حفظ النفس تحصيل قوت يسد به رمقه لدى احتياجه إليه بنحو من الانحاء سواء كان بالاكتساب أو بالاستدانة أو الاستعطاء من أصدقائه أقاربه أو ساير المسلمين أو الالتقاط من حشيش الأرض أو بيع داره أو شئ من مستثنيات الدين أو غير ذلك من طرق التحصيل وقد حققنا لدى التكلم في حرمة إراقة الماء قبل الوقت أو بعده في مبحث التميم من كتاب الطهارة أنه لا يتنجز التكليف بشئ من المقدمات الوجودية للواجبات المطلقة أو المشروطة إلا بعد إحراز توقف الواجب على خصوص هذا الشئ وأنه لو أخل يتعذر عليه الخروج عن عهدة ذلك التكليف فلا يتنجز عليه التكليف بالاكتساب مقدمة لحفظ نفسه إلا إذا علم بكون الاخلال به موجبا لتلفها ولا أقل من الظن بذلك ومتى أحرز ذلك لم يجز له الاشتغال عنه بالواجبات العينية أيضا فضلا عن الكفائية وأما من لم يحرز ذلك بأن كان عنده في هذا اليوم بمقدار ما يسد به رمقه في يومه و ليلته وأحتمل أن يرزقه الله تعالى في الغد أيضا مثل ما رزقه في هذا اليوم من حيث لا يحتسب جاز له ترك التكسب والاشتغال بالأعمال المباحة فضلا عن المستحبة ولا سيما مثل تحصيل العلوم الدينية فلا مجال للارتياب في عدم اختصاص وجوب النفقة أو استحبابه بخصوص الأغنياء أو الفقراء العاجزين عن الاكتساب الذين يحل لهم الصدقات بل هو عام لسائر المكلفين فإذا ترك القادر على الاكتساب كسبه وقنع بأقل قوت يقيم صلبه من حشيش وغيره وصبره على الفقر والفاقة أو أشتغل بتهذيب أخلاقه بالرياضات والمجاهدات وتحصيل العلوم الدينية والعمل بالآداب الشرعية فقد زهد في دنياه وفاز في آخرته فوزا عظيما فهذا مما لا مجال للارتياب في رجحانه فضلا عن جوازه ولكن لا ملازمة بينه وبين جواز أخذ الزكاة له إذ بعد فرض دلالة الدليل على عدم حلية الصدقة لمن يقدر على اكتساب مؤنته على الاطلاق نلتزم بحرمتها عليه وإن أستحب له الاشتغال بطلب العلم وساير الاعمال المستحبة المستلزمة لترك التكسب وحيث لا يجب عليه فعل المستحبات لا عقلا ولا شرعا لا ينفي ذلك قدرته على الاكتساب كي يحل له أخذ الصدقة فيصير حاله في تعيشه في الدنيا كحال كثير من الفقراء المشغولين بطلب العلم الذين لا يعطيهم أحد من الزكاة وساير وجوه الصدقات شيئا ولا يموت أحد منهم من الجوع ولكن لمانع أن يمنع إطلاق مانعية القدرة على التكسب عن أخذ الزكاة على وجه تناول مثل المقام فإن عمدة ما يصح الاستدلال به لذلك قوله عليه السلام في رواية زرارة المتقدمة الواردة في تفسير الخبر النافي لحل الصدقة على المحترف والقوي وذي مرة سوي لا يحل له أن يأخذها وهو يقدر على أن يكف نفسه عنها وهذا وإن كان بظاهره موهما لذلك ولكن الظاهر عدم إرادة مطلق القدرة منه بل كونه بالفعل لدى العرف متمكنا من القيام بنفقته ونفقة من يعوله بحيث يراه العرف بحكم صاحب المال في كفايته بمؤنته كما يفصح عن ذلك صحيحة معاوية ورواية هارون بن حمزة المتقدمتان الدالتان على إناطة نفي الحلية بالغني بالتقريب المتقدم فمثل طلبة العلم الذين جعلوا شغلهم التحصيل إذا قصروا لهم عن مؤنتهم غير مندرج في موضوع تلك القضية عرفا وقدرتهم على أن يكفوا أنفسهم عن الزكاة باشتغالهم بالتكسب بعد أن اتخذوا تحصيل العلم حرفة لهم كقدرة أرباب الحرف والصنايع الذين يقصر ربحهم عن مؤنتهم على كسب آخر واف بمؤنتهم غير ملحوظة لدى العرف فيما هو ملاك الفقر والغنى وليس للشارع اصطلاح خاص في هذا الباب والروايات النافية لحل الصدقة على المحترف وذي مرة سوي مسوقة على الظاهر لبيان عدم الفرق في الغنى المانع عن حلية الصدقة بين كونه بالفعل أو بالقوة القريبة منه مثل أرباب الصنايع الذين وظيفتهم التعيش بكسبهم لا مثل طلبة العلم الذين لا يراهم العرف كذلك فالأشبه جواز أخذ الزكاة لهم والله العالم ولو قصرت الحرفة أو الصنعة اللائقة بحاله عن كفايته جاز له أن يتناولها بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن التذكرة إنه موضع وفاق بين العلماء وإنما الخلاف في تقدير الاخذ للقاصر فقيل يعطي ما يتم كفايته لا أزيد وقيل ليس ذلك شرطا بل يجوز أن يعطي ما يغنيه ويزيد على غناه وقد نسب هذا القول إلى المشهور ومستنده إطلاق
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»