مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ٩٢
كان الرجل سئل عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر فأعطياه ولم يسئلا عن شئ فرجع إليهما فقال لهما مالكما لم تسئلاني عن حالي كما سئلني الحسن والحسين عليهما السلام وأخبرهما بما قالا فقالا إنهما غذيا بالعلم غذاء والمستفيضة الواردة فيمن أهدى جارية البيت حيث ورد فيها أنها تباع ويؤخذ ثمنها وينادى على الحجر الأهل من منقطع ومن نفدت نفقته أو قطع عليه فليأت فلانا وأمره أن يعطي أولا فأولا حتى ينفذ ثمن الجارية وما في بعضها من الامر بالسؤال عنهم بعد أن أتوه لعله لتحقيق أنهم من الزوار دون المجاورين والخدمة الذين دلت الرواية على عدم استحقاقهم منها شيئا إلى غير ذلك من الروايات التي يقف عليها المتتبع فهذا مما لا ينبغي الارتياب فيه فما في المدارك من الاستشكال فيه فقال ما لفظه و المسألة محل إشكال من اتفاق الأصحاب ظاهرا على جواز الدفع إلى مدعي الفقر إذا لم يعلم له أصل مال من غير تكليف له ببينة ولا يمين وورود بعض الأخبار بذلك وإن ضعف سندها وكون موافقة الدعوى للأصل و استلزام التكليف بإقامة البينة على الفقير الحرج والعسر في أكثر الموارد مع خلو الاخبار من ذلك بل ورود الامر بإعطاء السائل ولو كان على ظهر فرس ومن إن الشرط اتصاف المدفوع بأحد الأوصاف الثمانية فلا بد من تحقيق الشرط كما في نظائره والاحتياط يقتضي عدم الاكتفاء بمجرد الدعوى إلا مع عدالة المدعي أو الظن بصدقه إنتهى لعله في غير محله وإلا فعدالة المدعي أو الظن بصدقه لا يجدي في تصديقه إذ لا شاهد عليه كما في غيره من الموارد وكذا لو كان له أصل مال وأدعى تلفه أعطي من غير يمين كما هو المعروف أيضا بين الأصحاب على ما أعترف به في الجواهر لما عرفته في غيره وقيل بل يحلف على تلفه لأصالة بقائه وهذا القول منقول عن الشيخ وهو ضعيف إذ لم يثبت اعتبار اليمين في غير الموارد التي يتوقف عليها قطع الخصومات وعن المصنف في المعتبر إنه حكى عن الشيخ أنه لم يكتف باليمين بل قال إنه يكلف بالبينة وفيه ما عرفت من استلزامه حرمان جل المستحقين وغير ذلك مما عرفت ولا يجب إعلام الفقير إن المدفوع إليه زكاة لحصول إطاعة الامر بالزكاة بإيصالها إلى مستحقها سواء عرف المستحق وجه أم لا فلو كان ممن يترفع ويستحى من قبولها بأسم الزكاة وهو مستحق جاز صرفها إليه على وجه الصلة ظاهر أو الزكاة واقعا بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن ظاهر التذكرة الاجماع عليه ويشهد له مضافا إلى الأصل خبر أبي بصير المروي عن الكافي قال قلت لأبي جعفر الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ الزكاة فأعطيه من الزكاة ولا أسمى له أنها من الزكاة فقال أعطه ولا تسم ولا تذل المؤمن ولكن قد ينافيه ما في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفر عليه السلام الرجل يكون محتاجا فنبعث إليه بالصدقة فلا يقبلها على وجه الصدقة يأخذه من ذلك ذمام واستحياء وانقباض أفنعطيها إياه على غير ذلك الوجه وهي منا صدقة فقال لا إذا كانت زكاة فله أن يقبلها فإن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها إياه وما ينبغي له أن يستحيي مما فرض الله عز وجل إنما هي فريضة الله فلا يستحيي منه وقد حمل صاحب المدارك وغيره هذه الرواية على الكراهة وأعترف في الجواهر بعدم وجدان عامل به بظاهره أقول هذه الرواية بظاهرها واردة فيمن يترفع ويستنكف عن قبول الصدقة ويردها إذا علم بكونها صدقة وحيث إن له الخيار في قبول الصدقة وعدمه وهو يردها ولا يرضى بقبولها أشكل الالتزام بصحة الصدقة وحصول الاجزاء بإيصالها إليه بوجه آخر على سبيل التلبيس مع عدم طيب نفسه بقبولها على ما هي عليه فيمكن إبقاء النهي حينئذ على حقيقته والجمع بينها وبين رواية أبي بصير بصرف تلك الرواية إلى غير هذه الصورة لو لم نقل بانصرافها في حد ذاتها عنها كما أن كلمات الأصحاب المصرحين باستحباب إيصالها بصورة الصلة إلى المستحي من أخذها بصورة الزكاة أيضا كذلك نعم إن قلنا بعدم كون الكراهة التقديرية الحاصلة في مثل المقام مانعة عن صيرورتها بالفعل ملكا بقبضها والاستيلاء عليها على جهة الملكية جهلا بحقيقتها اتجه حمل النهي على الكراهة والارشاد إلى أولوية إعطائها لمن تطيب نفسه بقبولها ويشكر الله على ما فرضه في أموال الأغنياء إذ الالتزام بحرمته تعبدا مع مخالفته للأصل وإطلاقات أدلة الزكاة وعدم معروفية القول به من أحد لا يخلو من إشكال ولو دفعها على إنه فقير فبان غنيا ارتجعت مع التمكن مع بقاء العين أو تلفها إن علم القابض بكونها زكاة لحرمتها على الغني فيجب عليه رد عينها مع البقاء ومثلها أو قيمتها مع التلف كما هو مقتضى قاعدة اليد سواء علم بحكمه التكليفي أي حرمة الزكاة عليه أم جهله إذ لا أثر للجهل بالحكم الشرعي في رفع الضمان وإن كان جاهلا بكونها زكاة فإن كانت العين باقية ارتجعت أيضا كما في صورة العلم بكونها زكاة سواء صرفها إليه على وجه الصلة أو الصدقة المندوبة التي لا يشترط فيها الفقراء أو أجمل وجهها أو بينه وصرح بكونه زكاة ولكن خفى ذلك على القابض لعدم صيرورتها ملكا له في الواقع بعد إن كان الدافع ناويا بفعله الزكاة وإظهار خلاف وجهها الواقعي ككونها هبة أو صدقة يجعله معذورا في التصرف وإتلافها لا في صيرورتها ملكا له في الواقع كي لا يجوز لمالكها الارتجاع ولذا لو اطلع على ما في ضميره لم يحل له التصرف فما عن المصنف في المعتبر من القطع بعدم جواز ارتجاع العين معللا بأن الظاهر كونها صدقة أي مندوبة وعن المنتهى أيضا ذلك معللا بأن الدفع محتمل للوجوب والتطوع محل نظر إذ التعويل على الظاهر فضلا عن الاحتمال إنما هو في مرحلة الظاهر ما لم يعلم بمخالفته للواقع والكلام إنما هو في تكليف الدافع الذي صرف زكاته إلى من زعم أنه فقير فبان غنيا فكون فعله في الظاهر صدقة أو هبة غير موجب لصيرورة ما دفعه إليه بقصد الزكاة ملكا له في الواقع حتى لا يجوز له الارتجاع بعد أن انكشف له فساد الدفع نعم قد يقال فيما لو دفعها إليه على وجه الصلة ثم ادعى كونها زكاة وأنكره القابض يتقدم قول القابض أما لكونه مدعيا للصحة أو لموافقته للظاهر وهذا على تقدير صحته أجنبي عن المقام ويمكن أن يكون حكم المصنف (ره) بعدم جواز الارتجاع بملاحظة تكليفه في مرحلة الظاهر بعد فرض كون خصمه ممتنعا عن الرد أخذا بظاهر فعله فليتأمل وإن كانت العين تالفة وكان الايصال إليه على وجه الصلة ونحوها لم يضمنها لكونه مغرورا بفعل الدافع فليس له تغريمه بخلاف ما لو لم يكن له وجه ظاهر بل كان محتملا للزكاة وغيره فترك الفحص عن حالها و أتلفها إذ المتجه حينئذ الحكم بالضمان لانتفاء الغرور من قبل الدافع المانع عما يقتضيه قاعدة الاتلاف وإن تعذر ارتجاعها كانت ثابتة في ذمة الاخذ ولم يلزم الدافع ضمانها سواء كان الدافع المالك أو الإمام (ع) أو الساعي أما إن كان الدافع هو الإمام عليه السلام أو الساعي وشبهه من نائبه الخاص أو العام فما
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»