مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ٨٨
في جواز تناول الزكاة عند قصور حاصل الضيعة أو ربح التجارة عن مؤنته في كل سنة أو حصوله في بعض السنين من باب الانفاق فإنه في السنة التي ينقص فيها ربحه يجوز له أن يتناول من الزكاة بمقدار الكفاية ولا يبيع ضيعته أو يتصرف في رأس ماله إلا أن يكون فيه زيادة عن المقدار الذي يتوقف عليه تكسبه والله العالم ومن يقدر على اكتساب ما يمؤن نفسه وعياله على وجه يليق بحاله لا تحل له الزكاة لأنه كالغني وكذا ذو الصنعة اللائقة بحاله التي تقوم بكفايته كالصياغة والحياكة والخياطة وأما القدرة على التكسب والصنعة الغير اللايقين بحاله فليست مانعة عن تناولها جزما فلا يكلف الرفيع ببيع الحطب والكنس وخدمة من دونه في الشرف وأشباه ذلك مما فيه مذلته في العرف والعادة فإن ذلك أصعب من بيع خادمه وداره الذي قد سمعت في خبر إسماعيل المتقدم التصريح بعدم لزومه مع ما فيه من الحرج المنفي بأدلتها ومنه يعلم عدم مانعية القدرة على الحرف والصنايع الشاقة التي لا تتحمل في العادة وأن لم تكن منافية لشأنه مضافا إلى أن القدرة على مثل هذه الأمور لا تجعله كالغني وإلا فقلما يوجد فقير في العالم بل في الجواهر أستشكل في كون القدرة على الكسب اللائق بحاله الوافي بمؤنته ما لم يكن بالفعل مشغولا بحرفته وكسبه مانعا عن جواز تناول الزكاة بل قوى عدمه نظرا إلى عدم خروجه بذلك عرفا عن حد الفقير الذي وضع له الزكاة بل عن الخلاف أنه حكى عن بعض أصحابنا جواز الدفع للمكتسب من غير اشتراطه بقصور كسبه واستدل له في محكي المختلف بأنه غير مالك للنصاب ولا بقدر الكفاية فجاز له الاخذ من الصدقة كالفقير ثم أجاب عنه بالفرق فإن الفقير محتاج إليها بخلاف صورة النزاع أقول وربما يؤيد القول المزبور قوله عليه السلام في صحيحة أبي بصير المتقدمة ولا تحل الزكاة لمن كان محترفا وعنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة فإنه مشعر بحليته للمحترف الذي لا يملك النصاب وإن كان كسبه وافيا بمؤنته ولكنه لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذا الاشعار في مقابل ما ستعرف خصوصا بعد الالتفات إلى أن من كان له حرفة تفي بمؤنته لائقة بحاله على سبيل الاستمرار لا يعد في العرف فقيرا بل هو لدى العرف أغنى من المحترف المالك لمؤنة سنة أو سنتين من غير أن يكون له ممر معيشة على الدوام وقد ورد التصريح بحرمة الزكاة على صاحب الخمسين إذا كان له حرفة كافية بمؤنته في موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال قد تحل الزكاة لصاحب السبعمأة وتحرم على صاحب الخمسين درهما فقلت له وكيف يكون هذا قال إذا كان صاحب السبعمأة له عيال كثير فلو قسمها بينهم لم يكفه فليعف عنها نفسه وليأخذ لعياله وأما صاحب الخمسين فإنه يحرم عليه إذا كان وحده وهو محترف يعمل بها وهو يصيب منها ما يكفيه إن شاء الله وكذا في الموثق عن محمد بن مسلم وغيره عن أبي عبد الله (ع) قال تحل الزكاة لمن له سبعمأة درهم إذا لم يكن له حرفة ويخرج زكاتها منها ويشتري منها بالبعض قوتا لعياله ويعطي البقية لأصحابه ولا تحل الزكاة لمن له خمسون درهما وله حرفة يقوت بها عياله ومن المعلوم أن الخمسين درهما ليس نصابا يجب فيه الزكاة فهذا القول مع شذوذه بل عدم معروفية قائله في غاية الضعف وأما القول بكفاية مجرد القدرة على صنعة أو كسب لائق بحاله كما هو مقتضى ظاهر المتن وغيره بل المشهور على ما نسب إليهم فمستنده صحيحة زرارة أو حسنته عن أبي جعفر عليه السلام قال سمعته يقول إن الصدقة لا تحل لمحترف ولا لذي مرة سوى قوى فتنزهوا عنها وخبر أبي البختري المروي عن قرب الإسناد عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام أنه كان يقول لا تحل الصدقة الغني ولا الذي مرة سوى وعن الصدوق في معاني الأخبار بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تحل الصدقة الغني ولا مرة سوى ولا لمحترف ولا لقوي قلنا ما معنى هذا قال ما معنى هذا قال لا يحل له أن يأخذها وهو يقدر على أن يكف نفسه عنها ولكن بعد أن روي هذه الرواية قال وفي حديث آخر عن الصادق انه قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن الصدقة لا تحل لغني ولم يقل ولا لذي مرة سوى وعنه في الفقيه قال وقيل للصادق (ع) إن الناس يروون عن رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال أن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوى فقال قد قال الغني ولم يقل لذي مرة سوي واستظهر في الجواهر من إنكار أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ذلك جواز تناولها لذي القوة وفيه بعد تسليم هذا الظهور والغض عن معارضته بما قبله أنه لا وثوق بهذا الحديث المرسل بل الغالب على الظن كما أعترف به في الجواهر كونه إشارة إلى صحيحة معاوية بن وهب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام يروون عن النبي صلى الله عليه وآله أن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي فقال أبو عبد الله عليه السلام لا تصلح لغني ورواية هارون بن حمزة المتقدمة في المسألة السابقة التي هي نحوها مع أنه لا دلالة لهذه العبارة على نفي صدور ذلك الكلام من رسول الله صلى الله عليه وآله بل هي إشارة إلى إناطة الحكم بحصول الغني وأنه لم يقصد بذي مرة سوي معنى مغاير لذلك بل هو جار مجرى الغالب من كونه قادرا على أن يكف نفسه عنها الذي هو معنى الغنى وإن أنصرف عنه إطلاق لفظه لدى عدم كونه بالفعل ذا مال فكأنه أريد بالجواب شرح ما روى عن النبي صلى الله عليه وآله لدي التحليل كما في رواية زرارة الثانية من تفسير مجموع الفقرات المروية عنه صلى الله عليه وآله بأنه لا يحل له أن يأخذ الزكاة وهو يقدر على أن يكف نفسه عنها فيستفاد من هذه الرواية بل وكذا من صحيحة معاوية ورواية هارون بن حمزة إن المراد بالمحترف والقوي وذي مرة الواردة في ساير الاخبار النافية لحل الصدقة لهم ليس مطلقها بل من يقدر على أن يمون نفسه وعياله مضافا لأي شهادة غيرها من القرائن بذلك فيتم الاستدلال بها للمشهور ولكن قد يشكل ذلك بأن مجرد القدرة على ذلك ما لم يتلبس بحرفة كسب لائق واف بمؤنة لا يجعله غنيا بل لا يخرجه عرفا عن موضوع الفقير فيشكل الالتزام بعدم جواز تناوله للزكاة مع احتياجه إليها بالفعل واندراجه في زمرة الفقراء عرفا ولغة لاباء أدلة شرع الزكاة للفقراء عن الصرف عن مثله اللهم إلا أن يقال إن هذا إنما هو بالنظر إلى حال احتياجه وعدم قدرته على أن يكف نفسه عنها ولا كلام في جواز تناوله منها وإنما الكلام في إباحتها حال قدرته على تحصيل مقدار حاجته بكسبه وهو في هذا الحال بحكم الغني في العرف ولا يعد فقيرا ولكن جعل شيخنا المرتضى محل الاشكال حال عجزه عن الاكتساب فقال ما لفظه ولو ترك المحترف الحرفة فأحتاج في زمان لا يقدر عليها كما لو ترك العمل نهارا وأحتاج ليلا وكما لو ترك البناء عمل البناء في الصيف فأحتاج في الشتاء مع عدم حصول ذلك العمل له فيه إشكال من صدق الفقير عليه وأنه لا يقدر في الحال على ما يكف به نفسه عن الزكاة فيعمه أدلة جواز الاخذ ومن صدق المحترف وذوي المرة السوي عليه فيشمله أدلة المنع وهو الأقوى لعدم معلومية صدق الفقير عليه وإلا لصدق على المحبوس الغني ولم يجعل ابن السبيل قسيما للفقير في الكتاب والسنة نعم لا بأس بالصرف إليه من سهم سبيل الله ولكن الانصاف أنه لو لم ينعقد الاجماع على الخلاف قوي الفقير بجواز الدفع إلى كل محتاج في إن حاجته وإن كان عرض له في زمان يسير ولو بسوء اختياره إنتهى أقول قد ظهر لك فيما مر أنه لا عبرة بصدق
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»