مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ٨٥
الحاصرة للزكاة في الأجناس التسعة التي عرفتها في صدر الكتاب. النظر الثالث: مما يتعلق بزكاة المال فيمن نصرف إليه ووقت التسليم والنية القول فيمن تصرف إليه ويحصره أقسام القسم الأول أصناف المستحقين للزكاة في الواقع سبعة وإن كان المترائي من الآية الشريفة وبعض الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام المفسرة لها وكذا من كلمات الأصحاب المصرحين بعدد الأصناف إنها ثمانية أصناف الفقراء والمساكين وهم الذين تقصر أموالهم عن مؤنة سنتهم ولو بانتفاء أصل المال بأن لم يكن لهم مال أصلا فإن هذا من أوضح مصاديق العنوانين ولكن الأظهر الأشهر بل المشهور نصا وفتوى إن المسكين أسوء حالا من الفقير لا بمعنى إن بين مفهوميهما المباينة بحيث يصير كل منهما صنفا مغايرا للاخبار بل الفقر الذي هو في الأصل بمعنى الحاجة و يطلق عرفا في الحاجة الخاصة أي الاحتياج إلى المال الذي يصرفه في نفقته قد يشتد إلى أن يوقعه في مذلة السؤال وشبهه فيقال له المسكين من المسكنة بمعنى الذلة ولا يطلق في العرف على كل ذليل من أي وجه يكون لفظ المسكين بل على الذليل الذي أصابه الذل من فقره فالمسكين أخص موردا في العرف من الفقير إذ لا يقال على الفقير المتعفف الذي يحسبه الجاهل من تعففه وتعززه غنيا منه لفظ المسكين وكذا على الفقير الذي يتكفل غيره نفقته بعز كأولاد الأغنياء وحواشي الملوك والسلاطين و أتباعهم الذين لا مال لهم من أنفسهم أصلا فضلا عن إن يكفي بمؤنتهم ويؤيد ما ذكرناه من كون المسكين أسوء حالا من مطلق الفقير مضافا إلى ما عرفت ما عن جماعة من القدماء وجمهور المتأخرين من التصريح به ويدل عليه أيضا صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) إنه سئله عن الفقير والمسكين فقال الفقير الذي لا يسئل الناس والمسكين الذي هو أجهد منه الذي يسئل وخبر أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام قول الله عز وجل إنما الصدقات للفقراء والمساكين قال الفقير الذي لا يسئل الناس والمسكين أجهد منه والبائس أجهدهم ولا يخفى عليك إن المقصود بمثل هذه الأخبار وكذا في كلمات الأصحاب المصرحين بأن المسكين أسوء حالا من الفقير بيان المائز بين اللفظين بأخصية المسكين من الفقير الموجبة لإرادة مورد الافتراق من الأخير لدى اجتماعه مع الأول في اللفظ ولذا قالوا إذا اجتمعا افترقا وإلا فمن الواضح عدم صحة سلب اسم الفقير عمن لا يملك شيئا أصلا والتجأ إلى تحمل ذل السؤال ويكف كان فقد حكى عن جماعة القول بالعكس وإن الفقير أسوء حالا من المسكين مستدلين على ذلك بما لا ينهض حجة خصوصا في مقابل ما عرفت ثم إن الظاهر المصرح به في كلام غير واحد عدم ترتب ثمرة مهمة على هذا الخلاف كما سنوضحه إن شاء الله وقيل الفقراء والمساكين من يقصر ماله عن أحد النصب الزكوية وهو ضعيف كما ستعرف ثم من الناس من جعل اللفظين أي الفقراء والمساكين بمعنى واحد أي متساويين في الصدق وإلا فلا ينبغي الارتياب في عدم كونهما مترادفين كما يوهمه بعض عبائرهم ومنهم من فرق بينهما في الآية ونظائرها مما أجتمع فيه الكلمتان ففي العبارة إشارة إلى أنه لا خلاف بينهم في تساويهما في الصدق لدى انفراد كل منهما عن الاخر في اللفظ بمعنى إنه مهما أطلق لفظ المساكين وحدها في كلام لا يراد منه إلا ما يراد من إطلاق لفظ الفقراء كما صرح به غير واحد وأدعوا الاجماع عليه ففي المسالك قال في شرح العبارة ما لفظه وأعلم أن الفقراء والمساكين متى ذكر أحدهما خاصة دخل فيه الاخر بغير خلاف نص على ذلك جماعة منهم الشيخ والعلامة (ره) كما في أية الكفارة المخصوصة بالمسكين فيدخل فيه الفقير وإنما الخلاف فيما لو جمعا كما في أية الزكاة لا غير والأصح إنهما حينئذ متغايران لنص أهل اللغة وصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال الفقير الذي لا يسئل الناس والمسكين أجهد منه ولا ثمرة مهمة في تحقيق ذلك لاتفاق على استحقاقهما من الزكاة حيث ذكر أو دخول أحدهما تحت الاخر حيث بذكر أحدهما وإنما تظهر الفائدة نادرا فيما لو نذر أو وقف أو أوصى لأسوئهما حالا فإن الاخر لا يدخل فيه بخلاف العكس إنتهى واستشكل غير واحد فيما ذكروه من أنه متى ذكر أحدهما دخل فيه الاخر بغير خلاف بأن هذا بعد ثبوت التغاير بين اللفظين مشكل لان إطلاق لفظ أحدهما وإرادة ما يعم الاخر مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة ومع انتفائها يجب حمل اللفظ على حقيقته ومن هنا أستشكل في كفارات القواعد على ما حكي عنه في أجزاء إطعام الفقراء عن المساكين إذا لم يقل بأن الفقير أسوء حالا من المسكين وكذا في الوصية للمساكين أختار في محكي الايضاح وجامع المقاصد عدم الدخول في الوصية ولم يرجح في وصية الدروس على ما حكي عنه شيئا والذي ينبغي أن يقال في حل هذا الاشكال هوما تقدمت الإشارة إليه من أن إطلاق لفظ المسكين على الاسوء حالا وكذا الفقير إن قلنا به ليس لأجل كون هذه الخصوصية مأخوذة في مفهوم لفظه بل هما وصفان كليان أخذ أحدهما من الفقر الذي هو بمعنى الحاجة والاخر من المسكنة التي هي بمعنى القدرة وهما وصفان متلازمان لذات الممكن من حيث هي قال الله تبارك وتعالى يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد وقال تعالى وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ومن الواضح أنه لم يقصد بالمساكين في الآية الذين يسئلون الناس بل الأذلاء فإطلاق المسكين في العرف على من يسئل بملاحظة ظهور وصف المسكنة والالتجاء إلى الغير فيه لا كونه بالخصوص موضوعا له هذه الكلمة فالفقير المتعفف الذي يعد في العرف من الأعزة والاشراف هو في نفسه مسكين وإن لم يظهر عليه أثره إذ الفقر في حد ذاته من أقوى أسباب الذلة فكل من يحتاج في نفقته إلى الاستعانة بغيره هو في نفسه مسكين وإن أنصرف منه إطلاق لفظه في المحاورات العرفية ما لم يظهر عليه أثره ولكن هذا أي الانصراف العرفي فيما إذا لم يكن المقام مناسبا لإرادة الأعم كما في موارد الامر بالتصدق على المساكين حيث أن المناسبة مقتضية لان يكون نفس الفقر والحاجة بنفسها هي الملحوظة بهذا التكليف لا خصوصية وصف المسكنة من حيث هو كي يكون عدم بروزه في مورد موجب بالانصراف إطلاق اللفظ عنه فمتى أجتمع الفقراء والمساكين في كلام واحد كما لو أمر المولى عبده بأن يفرق هذا المال على الفقراء والمساكين لا يتبادر من لفظ المساكين إلا إرادة أهل السؤال ونحوهم ممن ظهر عليه أثار المذلة بخلاف ما لو انفردت المساكين بالذكر بأن أمره بالتصدق به على المساكين كما في أية الخمس ونظائرها فإن المتبادر من إطلاق المسكين في هذه الموارد وليس ما يتبادر من إطلاق الفقير ولذا لم يقع الخلاف في ذلك على ما أعترف به غير واحد عدى ما صدر من بعض من تقدمت الإشارة إليه من التردد فيه ولكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط في باب الوصية والكفارات ونظائرها مما لا شاهد على إرادة مطلق الفقير من لفظ المسكين بالاقتصار على الاسوء حالا من مطلقه والله العالم وكيف كان فلما لم يجب البسط على أصناف المستحقين كما ستعرف لا يترتب على تحقيق أن الفقراء والمساكين
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»