نشأة التشيع والشيعة - السيد محمد باقر الصدر - الصفحة ٤٦
الكتاب فاعملوا به، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه... " (61).
وهكذا نلاحظ اتجاها لدى الصحابة إلى العزوف عن السؤال إلا في حدود المشاكل المحددة الواقعة. وهذا الاتجاه هو الذي أدى إلى ضالة عدد النصوص التشريعية التي نقلوها عن الرسول (صلى الله عليه وآله)، وهو الذي أدي - بعد ذلك - إلى الاحتياج إلى مصادر أخرى غير الكتاب والسنة، كالاستحسان والقياس وغيرهما من ألوان الاجتهاد التي يتمثل فيها العنصر الذاتي للمجتهد (62)، الامر الذي أدى إلى تسرب شخصية الانسان بذوقه وتصوراته الخاصة إلى التشريع... وهذا الاتجاه أبعد ما يكون عن عملية الاعداد الرسالي الخاص التي كانت تتطلب تثقيفا واسعا لذلك الجيل وتوعية له على حلول الشريعة للمشاكل التي سوف يواجهها عبر قيادته.
وكما أمسك الصحابة عن مبادرة النبي بالسؤال، كذلك أمسكوا عن تدوين آثار الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وسنته (63) على

(٦١) الاتقان في علوم القرآن / السيوطي / ج 2 / ص 4 - تحقيق أبو الفضل إبراهيم.
(62) أنكر الاجتهاد الشافعي نظريتي الاستحسان والمصالح المرسلة لان الشريعة قد تكفلت ببيان كل ما يحتاج الانسان إلى معرفته من الاحكام، إما بالنص الصريح، أو بالإشارة، أو بطريق القياس المشروع، ولأن الاستحسان لا ضابط له ولا مقاييس يقاس بها الحق من الباطل... ولذا أير عن الشافعي قوله: " من استحسن فقد شرع... ".
راجع المدخل الفقهي العام / الدكتور / مصطفى الزرقا / ج 1 / ص 124 / 125.
(63) راجع في مسالة تدوين الحديث، والمنع منه أو إجازته فيما بعد أورده ونقله الدكتور صبحي الصالح / ص 20 وما بعدها في الهامش / علوم الحديث ومصطلحه - طبعة دار العلم للملايين.
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة