غريق، فصلاته صحيحة عند المتكلم فاسدة عند الفقيه، وهذه الاصطلاحات وإن اختلفت فلا مشاحة فيها، إذ المعنى متفق عليه، وأما إذا أطلق في العقود فكل سبب منصوب لحكم إذا أفاد حكمه المقصود منه، يقال أنه صح، وإن تخلف عنه مقصوده يقال إنه بطل، فالباطل هو الذي لا يثمر، لان السبب مطلوب لثمرته، والصحيح هو الذي أثمر، والفاسد مرادف للباطل في اصطلاح أصحاب الشافعي رضي الله عنه، فالعقد إما صحيح وإما باطل، وكل باطل فاسد. وأبو حنيفة أثبت قسما آخر في العقود بين البطلان والصحة، وجعل الفاسد عبارة عنه، وزعم أن الفاسد معتقد لإفادة الحكم، لكن المعني بفساده أنه غير مشروع بوصفه، والمعني بانعقاده أنه مشروع بأصله، كعقد الربا فإنه مشروع من حيث أنه بيع، وممنوع من حيث أنه يشتمل على زيادة في العوض، فاقتضى هذا درجة بين الممنوع بأصله ووصفه جميعا بين المشروع بأصله ووصفه جميعا، فلو صح له هذا القسم لم يناقش في التعبير عنه بالفاسد ولكنه ينازع فيه، إذ كل ممنوع بوصفه فهو ممنوع بأصله كما سبق ذكره.
الفصل الثالث: في وصف العبادة بالأداء والقضاء والإعادة أعلم أن الواجب إذا أدي في وقته سمي أداء، وإن أدي بعد خروج وقته المضيق أو الموسع المقدر سمي قضاء، وإن فعل مرة على نوع من الخلل ثم فعل ثانيا في الوقت سمي إعادة فالإعادة اسم لمثل ما فعل، والقضاء اسم لفعل مثل ما فات وقته المحدود، ويتصدى النظر في شيئين: أحدهما:
أنه لو غلب على ظنه في الواجب الموسع أنه يخترم قبل الفعل، فلو أخر عصي بالتأخير، فلو أخر وعاش، قال القاضي رحمه الله ما يفعله هذا قضاء لأنه تقدر وقته بسبب غلبة الظن وهذا غير مرضي عندنا، فإنه لما انكشف خلاف ما ظن زال حكمه، وصار كما لو علم أنه يعيش، فينبغي أن ينوي الأداء، أعني المريض إذا أخر الحج إلى السنة الثانية وهو مشرف على الهلاك ثم شفي. الثاني: أن الزكاة على الفور عند الشافعي رحمه الله، فلو أخر ثم أدى فيلزم على مساق كلام القاضي رحمه الله أن يكون قضاء، والصحيح أنه أداء لأنه لم يعين وقته بتقدير وتعيين، وأنما أوجبنا البدء بقرينة الحاجة وإلا فالأداء في جميع الأوقات موافق لموجب الامر وامتثال له، وكذلك من لزمه قضاء صلاة على الفور فأخر فلا نقول أنه قضاء القضاء، ولذلك نقول: يفتقر وجوب القضاء إلى أمر مجدد، ومجرد الامر بالأداء كاف في دوام اللزوم، فلا يحتاج إلى دليل آخر وأمر مجدد، فإذا الصحيح أن اسم القضاء مخصوص بما عين وقته شرعا ثم فات الوقت قبل الفعل.
دقيقة: أعلم أن القضاء قد يطلق مجازا وقد يطلق حقيقة، فإنه تلو الأداء وللأداء أربعة أحوال: الأولى: أن يكون واجبا، فإذا تركه المكلف عمدا أو سهوا وجب عليه القضاء، ولكن حط المأثم عنه عند سهوه على سبيل العفو، فالاتيان بمثله بعده يسمى قضاء حقيقة.
الثانية: أن لا يجب الأداء كالصيام في حق الحائض، فإنه حرام، فإذا صامت بعد الطهر فتسميته قضاء مجاز محض، وحقيقته أنه فرض مبتدأ، لكن لما تجدد هذا الفرض بسبب حالة عرضت منعت من إيجاب الأداء حتى فات لفوات إيجابه سمي قضاء، وقد أشكل هذا على طائفة فقالوا: وجب الصوم على الحائض دون الصلاة، بدليل وجوب القضاء، وجعل هذا