الحكم في الفرع معلوما ولم يكن مظنونا، وحصل الامن من الخطأ، وإن كانت مستنبطة لم يؤمن الخطأ؟ قلنا: أخطأتم في طرفي الكلام حيث ظننتم حصول الامن بالنص، وإمكان الخطأ عند عدم النص، فإن وإن نص على شدة الخمر فلا نعلم قطعا أن شدة النبيذ في معناها، بل يجوز أن يكون معللا بشدة الخمر خاصة إلا أن يصرح ويقول يتبع الحكم مجرد الشدة في كل محل فيكون ذلك لفظا عاما، ولا يكون حكما بالقياس، فلا يحصل التقصي عن عهدة الاجماع، وإذا لم يصرح فنحن نظن أن النبيذ في معناه ولا نقطع، فللظن مثاران في العلة المستنبطة: أحدهما: أصل العلة، والآخر إلحاق الفرع بالأصل، فإنه مشروط بانتفاء الفوارق، وفي العلة المنصوصة مثار الظن واحد، وهو إلحاق الفرع لأنه مبني على الوقوف على جميع أوصاف علة الأصل، وأنه الشدة بمجردها دون شدة الخمر، وذلك لا يعلم إلا بنص يوجب عموم الحكم ويدفع الحاجة إلى القياس. أما قوله في العلة المستنبطة أنه لا يؤمن فيها الخطأ فهذا لا يستقيم على مذهب من يصوب كل مجتهد، إذ شهادة الأصل للفرع عنده كشهادة العدل عند القاضي، والقاضي في أمن من الخطأ وإن كان الشاهد مزورا، لأنه لم يتعبد باتباع الصدق، بل باتباع ظن الصدق، وكذلك هاهنا لم يتعبد باتباع العلة بل باتباع ظن العلة وقد تحقق الظن. نعم: هذا الاشكال متوجه على من يقول المصيب واحد، لأنه لا يأمن الخطأ، ولا دليل يميز الصواب عن الخطأ، إذ لو كان عليه دليل لكان آثما إذا أخطأ كما في العقليات، ثم نقول: إن محملهم على الاقرار بهذا القياس إجماع الصحابة، ولم يقتصر قياسهم على العلة المنصوصة إذ قاسوا في قوله: أنت علي حرام وفي مسألة الجد والاخوة، وفي تشبيه حد الشرب بحد القذف لما فيه من خوف الافتراء والقذف أوجب ثمانين جلدة، لأنه نفس الافتراء لا الخوف من الافتراء، ولكنهم رأوا الشارع في بعض المواضع أقام مظنة الشئ مقام نفسه، فشبهوا هذا به بنوع من الظن هو في غاية الضعف، فدل أنهم لم يطلبوا النص ولا القطع، بل اكتفوا بالظن، ثم نقول: إذا جاز القياس بالعلة المعلومة فلنلحق بها المظنونة في حق العمل، كما لتحق رواية العدل بالتواتر وشهادة العدل بشهادة النبي عليه السلام المعصوم، والقبلة المظنونة بالقبلة المعاينة، وهذا فيه نظر لأنا وإن أثبتنا خبر الواحد وقبول الشهادة بأدلة قاطعة فقبول الشرع الظن في موضع لا يرخص لنا في قياس ظن آخر عليه، بل لا بد من دليل على القياس المظنون كما في خبر الواحد وغيره.
- مسألة (التفريق بين الفعل والترك) فرق بعض القدرية الفعل والترك، فقال: إذا علل الشارع وجوب فعل بعلة فلا يقاس عليه غيره إلا بتعبد بالقياس، ولو علل تحريم الخمر بعلة وجب قياس النبيذ عليه دون التعبد بالقياس، لان من ترك العسل لحلاوته لزمه أن يترك كل حلو ومن ترك الخمر لإسكاره لزمه أن يترك كل مسكر. أما من شرب العسل لحلاوته فلا يلزمه أن يشرب كل حلو، ومن صلى لأنها عبادة لا يلزمه أن يأتي بكل عبادة، وبنوا على هذا أن التوبة لا تصح من بعض الذنوب، بل من ترك ذنبا لكونه معصية لزمه ترك كل ذنب، أما من أتى بعبادة لكونها طاعة فلا يلزمه أن يأتي بكل طاعة، وهذا محال في الطرفين، لأنه لا يبعد في جانب التحريم