دون الآخر، كان هذا جائزا وإن كان قولا ثالثا قلنا: لان حكمه في كل مسألة يوافق مذهب طائفة وليس في المسألتين حكم واحد، وليست التسوية مقصودة، ولو قصدوها وقالوا لا فرق واتفقوا عليه لم يجز الفرق، وإذا فرقوا بين المسألتين واتفقوا على الفرق قصدا امتنع الجمع، أما إذا لم يجمعوا ولم يفرقوا فلا يلتئم حكم واحد من مسألتين، بل نقول صريحا لا يخلو إنسان عن معصية وخطأ في مسألة، فالأمة مجتمعة على المعصية والخطأ وكل ذلك ليس بمحال إنما يستحيل الخطأ بحيث يضيع الحق حتى لا يقوم به طائفة مع قوله عليه السلام: لا تزال طائفة من أمتي على الحق فلهذا نقول: يجوز أن تنقسم الأمة في مسألتين إلى فرقتين وتخطئ فرقة في مسألة، والفرقة الأخرى تقوم بالحق فيها، والقائمون بالحق يخطئون في المسألة الأخرى، ويقوم بالحق فيها المخطئون في المسألة الأولى حتى يقول مثلا أحد شطري الأمة: القياس ليس بحجة والخوارج مبطلون، ويقول فريق آخر القياس حجة والخوارج محقون، فيشملهم الخطأ، ولكن في مسألتين، فلا يكون الحق في مسألتين مضيعا بين الأمة في كل واحد منهما.
الشبهة الرابعة: إن مسروقا أحدث في مسألة الحرام قولا ثالثا ولم ينكر عليه منكر، قلنا: لم يثبت استقرار كافة الصحابة على رأيين في مسألة الحرام بل ربما كان بعضهم فيها في مهلة النظر أو لم يخض فيها، أو لعل مسروقا خالف الصحابة في ذلك الوقت ولم ينطق بوفاقهم وكان أهلا للاجتهاد في وقت وقوع هذه المسألة، كيف ولم يصح هذا عن مسروق إلا بإخبار الآحاد، فلا يدفع بها ما ذكرنا.
مسألة (خلاف القليل للاجماع) إذا خالف واحد من الأمة أو اثنان لم ينعقد الاجماع دونه، فلو مات لم تصر المسألة إجماعا، خلافا لبعضهم، ودليلنا أن المحرم مخالفة الأمة كافة، ومن ذهب إلى مذهب الميت بعد عصره لا يمكن أن يقال مذهبه خلاف كافة الأمة، لان الميت من الأمة لا ينقطع مذهبه بموته، ولذلك يقال: فلان وافق الشافعي أو خالفه، وذلك بعد موت الشافعي، فمذهب الميت لا يصير مهجورا بموته، ولو صار مهجورا لصار مذهب الجميع كالمنعدم عند موتهم، حتى يجوز لمن بعدهم أن يخالفهم، فإن قيل: فلو مات في مهلة النظر وهو بعد متوقف فماذا تقولون فيه؟ قلنا: نقطع في طرفين واضحين إحداهما: أن يموت قبل الخوض في المسألة وقبل أن تعرض عليه، فالباقون بعده كل الأمة، وإن خاض وأفتى فالباقون بعض الأمة، وإن مات في مهلة النظر فهذا محتمل، فإنه كما لم يخالفهم لم يوافقهم أيضا، بل المتوقف مخالف للجازم، لكنه بصدد الموافقة فهذه المسألة محتملة عندنا والله أعلم.
- مسألة (إجماع التابعين على أحد قولي الصحابة) إذا اتفق التابعون على أحد قولي الصحابة لم يصر القول الآخر مهجورا، ولم يكن الذاهب إليه خارقا للاجماع، خلافا للكرخي وجماعة من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وكثير من القدرية، كالجبائي وابنه، لأنه ليس مخالفا لجميع الأمة، فإن الذين ماتوا على ذلك المذهب هم من الأمة، والتابعون في تلك المسألة بعض الأمة، وإن كانوا كل الأمة، فمذهبهم باختيار أحد القولين لا يحرم القول الآخر، فإن صرحوا بتحريم القول الآخر فنحن بين أمرين: إما أن نقول هذا محال وقوعه لأنه يؤدي إلى تناقض الاجماعين، إذ مضت الصحابة