الاحكام - ابن حزم - ج ١ - الصفحة ١٩
التوحيد والنبوة، ودينك الذي أنت عليه، أبعقل ذلك على صحة كل ذلك أم بغير عقل؟ وبأي شئ عرفت فضل من قلدت، أو صحة ما ادعيت أنك ألهمته بعد أن لم تكن ملهما إليه ولا مقلدا له برهة من دهرك؟ وبأي شئ عرفت صحة ما بلغك من الاخبار بعد أن لم تكن بلغتك؟ وهل لك من عقل أم لا عقل لك؟ فإن قال:
عرفت كل ذلك بلا عقل ولا عقل لي فقد كفينا مؤنته، وبلغنا في نفسه أكثر مما رغبنا منه، فإننا إنما رغبنا منه الاعتراف بالخطأ، فقد زادنا في نفسه منزلة لم ترغبها منه، وسقط الكلام معه ولزمنا السكوت عنه، وإلا كنا في نصاب من يكلم السكارى الطافحين والمجانين المتعرين على الطرق.
فإن قال: لي عقل وبعقلي عرفت ما عرفت فقد أثبت العقل وترك مذهبه الفاسد ضرورة.
قال أبو محمد: واحتجوا في إبطال الجدال والمناظرة بآيات ذكروها وهي قوله تعالى * (لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير) * والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد) *. قال أبو محمد: وهذه الآية مبينة وجه الجدال المذموم، وهو قوله تعالى فيمن يحاج بعد ظهور الحق، وهذه صفة المعاند للحق، الآبي من قبول الحجة بعد ظهورها، وهذا مذموم عند كل ذي عقل. ومنها قوله تعالى: * (وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون) *.
قال أبو محمد: وإنما ذم تعالى في هذه الآية من خاصم وجادل في الباطل، وعارض الآلهة التي كانوا يعبدون من حجارة لا تعقل بعيسى النبي العبد المؤيد بالمعجزات، من إحياء الموتى وغير ذلك. ومنها قوله تعالى: * (ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص) *، ومنها قوله تعالى: * (فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعني) قال أبو محمد قال تعالى: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * فصح بهذه الآية أن كلام الله تعالى لا يتعارض ولا يختلف، فوجدناه تعالى أثنى على الجدال بالحق وأمر به، فعلمنا يقينا أن الذي أمر به تعالى هو غير الذي نهى عنه بلا شك، فنظرنا في ذلك لنعلم وجه الجدال المنهي عنه المذموم، ووجه
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المطبعة وفيها تعليل شدة ابن حزم على الفقهاء 3
2 وعد.. ووعد 4
3 خطبة الكتاب 5
4 المقدمة وفيها بيان قوى النفس الإنسانية 6
5 الباب الأول في الغرض المقصود من الكتاب 7
6 الباب الثاني في فهرس الكتاب وأبوابه 12
7 الباب الثالث في إثبات حجج العقول 14
8 الباب الرابع في كيفية ظهور اللغات 28
9 الباب الخامس في الألفاظ (الاصطلاحية) الدائرة بين أهل النظر 34
10 فصل في حروف المعاني التي تتكرر في النصوص 46
11 الباب السادس هل الأشياء في العقل قبل ورود الشرع على الحظر أم على أم على الإباحة 47
12 فصل فيمن لم يبلغه الأمر من الشريعة 55
13 الباب السابع في أصول الأحكام في الديانة وأقسام المعارف 59
14 فصل في هل على النافي دليل أم لا 68
15 الباب الثامن في البيان ومعناه 71
16 الباب التاسع في تأخير البيان 75
17 الباب العاشر في الأخذ بموجب القرآن 85
18 الباب الحادي عشر في الكلام في الأخبار (وهى السنن المنقولة عن رسوله الله (ص) 87
19 فصل فيه أقسام الأخبار عن الله تعالى 93
20 فصل في هل يوجب خبر الواحد العلم مع العمل أو العمل دون العلم 107
21 صفة من يلزم قبول نقله الأخبار 122