الاحكام - ابن حزم - ج ١ - الصفحة ١٨
يميز الحق منها من الباطل، وليس ذلك إلا العقل الذي لا تتعارض دلائله. وقد بينا ذلك في كتاب التقريب.
وقال أبو محمد: ويقال لمن قال بالامام: بأي شئ عرفت صحة قول الإمام، أببرهان أم بمعجزة أم بإلهام؟ أم بقوله مجردا؟. فإن قال ببرهان كلف بأن يأتي به، ولا سبيل له إليه، وإن قال بمعجزة ادعى البهتان لا سيما الآن وهم يقرون أنه قد خفي عنهم موضعه منذ مائة وسبعين عاما، وإن قالوا بالالهام سئلوا بما ذكرنا في إبطال الالهام، وإن قالوا بقوله مجردا سئلوا عن الفرق بين قوله وقول خصومهم في إبطال مذاهبهم دون دليل، ولا سبيل إلى وجه خامس أصلا.
قال أبو محمد: ويقال لمن قال بالتقليد: ما الفرق بينك وبين من قلد غير الذي قلدت أنت، بل كفر من قلدته أنت أو جهله. فإن أخذ يستدل في فضل من قلده كان قد ترك التقليد، وسلك في طريق الاستدلال من غير التقليد، وقد أفردنا في إبطال التقليد بابا ضخما قرب آخر كتابنا هذا استوعبنا فيه إبطاله وبالله التوفيق.
قال أبو محمد علي: ويقال لمن قال لا يدرك شئ إلا من طريق الخبر، أخبرنا الخبر كله حق؟ أم كله باطل؟ أم منه حق وباطل؟ فإن قال هو باطل كله كان قد أبطل ما ذكر أنه لا يعلم شئ إلا به، وفي هذا إبطال قوله وإبطال جميع العلم، وإن قال حق كله، عورض بأخبار مبطلة لمذهبه، فلزمه ترك مذهبه لذلك أو اعتقاد الشئ وضده في وقت واحد، وذلك ما لا سبيل إليه، وكل مذهب أدى إلى المحال وإلى الباطل فهو باطل ضرورة، فلم يبق إلا أن من الخبر حقا وباطلا، فإذا كان كذلك بطل أن يعلم صحة الخبر بنفسه، إذ لا فرق بين صورة الحق منه وصورة الباطل فلا بد من دليل يفرق بينهما، وليس ذلك إلا لحجة العقل المفرقة بين الحق والباطل.
قال أبو محمد علي: ثم يقال لجميعهم: بأي شئ عرفتم صحة ما تدعون إليه، وصحة
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المطبعة وفيها تعليل شدة ابن حزم على الفقهاء 3
2 وعد.. ووعد 4
3 خطبة الكتاب 5
4 المقدمة وفيها بيان قوى النفس الإنسانية 6
5 الباب الأول في الغرض المقصود من الكتاب 7
6 الباب الثاني في فهرس الكتاب وأبوابه 12
7 الباب الثالث في إثبات حجج العقول 14
8 الباب الرابع في كيفية ظهور اللغات 28
9 الباب الخامس في الألفاظ (الاصطلاحية) الدائرة بين أهل النظر 34
10 فصل في حروف المعاني التي تتكرر في النصوص 46
11 الباب السادس هل الأشياء في العقل قبل ورود الشرع على الحظر أم على أم على الإباحة 47
12 فصل فيمن لم يبلغه الأمر من الشريعة 55
13 الباب السابع في أصول الأحكام في الديانة وأقسام المعارف 59
14 فصل في هل على النافي دليل أم لا 68
15 الباب الثامن في البيان ومعناه 71
16 الباب التاسع في تأخير البيان 75
17 الباب العاشر في الأخذ بموجب القرآن 85
18 الباب الحادي عشر في الكلام في الأخبار (وهى السنن المنقولة عن رسوله الله (ص) 87
19 فصل فيه أقسام الأخبار عن الله تعالى 93
20 فصل في هل يوجب خبر الواحد العلم مع العمل أو العمل دون العلم 107
21 صفة من يلزم قبول نقله الأخبار 122