الأصول الأصيلة - الفيض القاساني - الصفحة ٨٨
أصحابنا الأخباريين الذين لا يتعدون النص في شئ من الاحكام دون شهرة القول الحادثة بين المتأخرين من أهل الرأي والاستنباط فإنها لا اعتماد عليها أصلا كما حققه الشهيد الثاني (ره) في شرح درايته وبين وجهه، ثم نقول: لا منافاة بين روايتي التخيير اما هو في العمل والتوقف في الحكم والفتوى بينه ووجه اذنه (ع) بالتخيير مع أن حكم الله سبحانه واحد في كل قضية ان مع الجهل بالحق يسقط الاخذ به للاضطرار دفعا لتكليف ما - لا يطاق ولهذا جاز العمل بالتقية أيضا فالحكم في مثله اضطراري قال الله تعالى (1): اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم ويحتمل ان يكون الحكم بالارجاء والتوقف مختصا بما إذا لم يكن العمل بأحدهما ضروريا في الحال بل كان مما يجوز تأخيره مدة، وحينئذ فالحكم مختص بحال ظهور الإمام (ع)، واما مع الغيبة المنقطعة كهذا الزمان فلا وجه للارجاء فالتخيير متعين كما صرح به العلامة الطبرسي والشيخ الكليني وغيرهما، وسنذكر كلامهما ويؤيد ذلك ما في رواية سماعة بعد الامر بالارجاء إلى لقاء الإمام (ع) فإنه قال: فهو في سعة حتى يلقاه، ويأتي تمام الخبر وعلي هذا لو قلنا بشمول الحكم لحالتي الظهور والغيبة على هذا الاحتمال أيضا لجاز، وربما يحتمل حديث التوقف على الأولوية والأحوطية أو على المبالغة والتأكيد في التثبت وكثرة التفحص عن المرجحات، أو على من ليس له درجة الاستدلال، أو على من يمكنه الترجيح ولم يبحث فيه أو نحو ذلك وما قلناه أولى. واما تخصيصه بالعبادات وتخصيص حديث التخيير بالمعاملات أو عكس ذلك كما وقع لبعض الفضلاء (2) فلا وجه

١ - ذيل آية ٣ سورة المائدة.
٢ - يريد به الأمين الاسترآبادي (ره) فإنه قال في الفوائد المدنية بعد بحث مبسوط وتحقيق عميق في موضوع الجمع بين الروايات والخروج عن مقام التحير عند القضاء والفتوى والعمل مبتدئا للبحث بقوله (ره) " واما القاعدة الشريفة التي وضعوها عليهم السلام للخلاص عن الحيرة في باب الأحاديث المتعارضة فقد نطقت بها أحاديث بالغة حد - التواتر المعنوي مع صحة كثير منها في ظاهر الامر وزعم المتأخرين أيضا وصحة كلها عند التحقيق وعند قدمائنا ولا يمكنني استقصاؤها ولنذكر ما يحضرني الان منها، فمن تلك الجملة ما في كتاب الإحتجاج للطبرسي فخاض في البحث (انظر ص 185) إلى أن قال (في ص 192):
" وقد تحير الطبرسي في كتاب الاحتجاج وابن أبي جمهور اللحسائي في كتاب عوالي - اللئالي في الجمع بينهما، والذي فهمت انا من كلامهم عليهم السلام انه كان مورد الحديثين المختلفين العبادات المحضة كالصلاة فنحن مخيرون في العمل، وان كان غيرها من حقوق الآدميين من دين أو ميراث أو وقف على جماعة مخصوصين أو فرج أو زكاة أو خمس فيجب التوقف على الافعال الوجودية المبنية على تعيين أحد الطرفين بعينه والامام ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني قدس الله سره ذكر في كتاب الكافي ما يدل على العمل بالحديث الدال على التخيير وقصده قدس سره ذلك عند عدم ظهور شئ من المرجحات المذكورة في تلك الأحاديث وينبغي ان يحمل كلامه على ما إذا كان مورد الروايتين العبادات المحضة بقرينة انه قدس سره ذكر بعد ذلك في باب اختلاف الأحاديث مقبولة عمر بن حنظلة الواردة في المتخاصمين في دين أو ميراث الناطقة بأنه مع عدم ظهور شئ من المرجحات المذكورة يجب الارجاء إلى لقاء الإمام عليه السلام ".
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»