تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ٣٩٤
وقوله سبحانه: (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا...) الآية: وعيد وتهديد، وما فيه من المهادنة منسوخ بآية السيف، وروى ابن المبارك في " رقائقه "، قال: أخبرنا الأوزاعي عن عروة بن رويم، قال: قال رسول الله / صلى الله عليه وسلم: " شرار أمتي الذين ولدوا في النعيم، وغذوا به، همتهم ألوان الطعام، وألوان الثياب، يتشدقون بالكلام ". انتهى.
وقوله:) فسوف يعلمون): وعيد ثان، وحكى الطبري عن بعض العلماء، أنه قال: الأول في الدنيا، والثاني في الآخرة، فكيف تطيب حياة بين هذين الوعيدين.
وقوله: (ويلههم الأمل): أي: يشغلهم أملهم في الدنيا، والتزيد منها.
قال عبد الحق في " العاقبة ": اعلم رحمك الله أن تقصير الأمل مع حب الدنيا متعذر، وانتظار الموت مع الإكباب عليها غير متيسر، ثم قال: واعلم أن كثرة الاشتغال بالدنيا والميل بالكلية إليها، ولذة أمانيها تمنع مرارة ذكر الموت، أن ترد على القلب، وأن تلج فيه، لأن القلب إذا امتلأ بشئ، لم يكن لشئ آخر فيه مدخل، فإذا أراد صاحب هذا القلب سماع الحكمة، والانتفاع بالموعظة، لم يكن له بد من تفريقه، ليجد الذكر فيه منزلا، وتلفي الموعظة فيه محلا قابلا، قال ابن السماك رحمه الله: إن الموتى لم يبكوا من الموت، لكنهم بكوا من حسرة الفوت، فأتتهم والله، دار لم يتزودوا منها، ودخلوا دار لم يتزودوا لها. انتهى. وإنما حصل لهم الفوت، بسبب استغراقهم في الدنيا، وطول الأمل الملهى عن المعاد، ألهمنا الله رشدنا بمنه.
وقوله سبحانه: (وما أهلكنا من قرية...) الآية: أي: فلا تستبطئن هلاكهم، فليس من قرية مهلكة إلا بأجل، وكتاب معلوم محدود.
(وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر...) الآية: القائلون هذه المقالة هم كفار قريش، و " لو ما " بمعنى: لولا، فتكون تحضيضا، كما هي في هذه الآية، وفي البخاري:
(٣٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة