تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ٣٣٧
السلام لله، وتوكل عليه، وقولهم: (ما نبغي): يحتمل أن تكون " ما " استفهاما، قاله قتادة: و (نبغي): من البغية، أي: ماذا نطلب بعد هذه التكرمة، هذا مالنا رد إلينا مع ميرتنا، قال الزجاج: ويحتمل أن تكون " ما " نافية، أي: ما بقي لنا ما نطلب، ويحتمل أن تكون أيضا نافية، و (نبغي) من البغي، أي: ما تعدينا فكذبنا على هذا الملك، ولا في وصف إجماله وإكرامه، هذه البضاعة ردت إلينا، وقرأ أبو حيوة: " ما تبغي "، على مخاطبة يعقوب، وهي بمعنى ما تريد، وما تطلب وقولهم: (ونزداد كيل بعير) يريدون بعير أخيهم، إذ كان يوسف إنما حمل لهم عشرة أبعرة، ولم يحمل الحادي عشر، لغيب صاحبه، وقولهم: (ذلك كيل يسير): قيل: معناه: يسير على يوسف أن يعطيه.
وقال السدي: (يسير)، أي: سريع لا نحبس فيه ولا نمطل.
وقوله تعالى: (فلما آتوه موثقهم) الآية: أي لما عاهدوه، أشهد الله بينه وبينهم بقوله: (الله على ما نقول وكيل)، و " الوكيل ": القيم الحافظ الضامن.
وقوله: (إلا أن يحاط بكم): لفظ عام لجميع وجوه الغلبة، وانظر أن يعقوب عليه السلام قد توثق في هذه القصة، وأشهد الله تعالى، ووصى بنيه، وأخبر بعد ذلك بتوكله، فهذا توكل مع سبب، وهو توكل جميع المؤمنين إلا من شذ في رفض السعي بالكلية، وقنع بالماء وبقل البرية، فتلك غاية التوكل، وعليها بعض الأنبياء عليهم السلام، والشارعون منهم مثبتون سنن التسبب الجائز، قال الشيخ العارف بالله عبد الله بن أبي حمزة رضي الله عنه: وقد اشتمل القرآن على أحكام عديدة، فمنها: التعلق بالله تعالى، وترك الأسباب، ومنها: عمل الأسباب في الظاهر، وخلو الباطن من التعلق بها، وهو أجلها وأزكاها، لأن ذلك جمع بين الحكمة وحقيقة التوحيد، وذلك لا يكون إلا للأفذاذ الذين من الله عليهم بالتوفيق، ولذلك مدح الله تعالى يعقوب عليه الصلاة والسلام في كتابه، فقال: (وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون) [يوسف: 68] لأنه عمل الأسباب، واجتهد / في توفيتها، وهو مقتضى الحكمة، ثم رد الأمر كله لله تعالى، واستسلم إليه، وهو حقيقة التوحيد، فقال: (وما أغني عنكم من الله من شئ إن الحكم إلا لله...) الآية، فأثنى
(٣٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة