تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ٣٣٦
ويؤنسهم ويستميلهم، و (المنزلين): يعني: المضيفين، ثم توعدهم بقوله: (فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون)، أي: في المستأنف، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كان يوسف يلقي حصاة في إناء فضة مخوص بالذهب فيطن، فيقول لهم: إن هذا الإناء يخبرني أن لكم أبا شيخا "، وروي أن ذلك الإناء به كان يكيل الطعام، إظهارا لعزته بحسب غلائه، وروي أن يوسف استوفى في تلك السنين أموال الناس، ثم أملاكهم، وظاهر كل ما فعله يوسف معهم أنه بوحي وأمر، وإلا فكان بر يعقوب يقتضي أن يبادر إليه ويستدعيه، لكن الله تعالى أعلمه بما يصنع، ليكمل أجر يعقوب ومحنته، وتفسير الرؤيا الأولى.
وقوله: (لعلهم يعرفونها): يريد: لعلهم يعرفون لها يدا وتكرمة يرون حقها، فيرغبون في الرجوع إلينا، وأما ميز البضاعة، فلا يقال فيه: " لعل " وقيل: قصد يوسف برد البضاعة أن يتحرجوا من أخذ الطعام بلا ثمن، فيرجعوا لدفع الثمن، وهذا ضعيف من وجوه، وسرورهم بالبضاعة، وقولهم: (هذه بضاعتنا ردت إلينا) يكشف أن يوسف لم يقصد هذا، وإنما قصد أن يستميلهم، ويصلهم، ويظهر أن ما فعله يوسف من صلتهم وجبرهم في تلك الشدة كان واجبا عليه، وقيل: علم عدم البضاعة والدرهم عند أبيه، فرد البضاعة إليهم، لئلا يمنعهم العدم من الرجوع إليه، وقيل: جعلها توطئة لجعل السقاية في رحل أخيه بعد ذلك، ليبين أنه لم يسرق لمن يتأمل القصة، والظاهر من القصة أنه إنما أراد الاستئلاف وصلة الرحم، وأصل " نكتل ": " نكتئل "، وقولهم: (منع منا الكيل): ظاهره أنهم أشاروا إلى قوله: (فلا كيل لكم عندي)، فهو خوف من المستأنف، وقيل: أشاروا إلى بعير يامين، والأول أرجح، ثم تضمنوا له حفظه وحيطته، وقول يعقوب عليه السلام:
(هل آمنكم عليه...) الآية: " هل " توقيف وتقرير / ولم يصرح بمنعهم من حمله، لما رأى في ذلك من المصلحة، لكنه أعلمهم بقلة طمأنينته إليهم، ولكن ظاهر أمرهم أنهم قد أنابوا إلى الله سبحانه، وانتقلت حالهم، فلم يخف على يامين، كخوفه على يوسف، وقرأ نافع وغيره: " خير حفظا "، وقرأ حمزة وغيره: " خير حافظا "، ونصب ذلك في القراءتين، على التمييز والمعنى: أن حفظ الله خير من حفظكم، فاستسلم يعقوب عليه
(٣٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة