تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٤٦
وذلك لأن الرجل قد يكون مستسلما في الظاهر غير مصدق في الباطن ويكون مصدقا في الباطن غير منقاد في الظاهر وقد اختلف جواب النبي صلى الله عليه وسلم عنهما حين سأله جبريل عليه السلام وهو ما أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد التوبة الزراد البخاري أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ثنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي ثنا أبو أحمد عيسى بن أحمد العسقلاني أنا يزيد بن هارون أنا كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر قال كان أول من تكلم في القدر يعني بالبصرة معبد الجهني فخرجت أنا وحميد بن عبد الرحمن نريد مكة قلنا لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه ما يقول هؤلاء فلقينا عبد الله بن عمر فاكتنفته أنا وصاحبي اكتنفوا أي أحاطوا أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فعلمت أنه سيكل الكلام إلي فقلت أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا أناس يتفقرون هذا العلم ويطلبونه يزعمون أن لا قدر إنما الأمر أفق قال فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني منهم بريء وأنهم مني براء والذي نفسي بيده لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل الله ما قبل الله منه شيئا حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ثم قال حدثنا عمر بن الخطاب قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ما يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد فأقبل حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبته تمس ركبته فقال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا فقال صدقت فتعجبنا من سؤاله وتصديقه ثم قال فما الإيمان قال أن تؤمن بالله وحده وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت والجنة والنار وبالقدر خيره وشره فقال صدقت ثم قال فما الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإنك لم تكن تراه فإنه يراك قال صدقت ثم قال فأخبرني عن الساعة فقال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل قال صدقت قال فأخبرني عن أماراتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في بنيان المدر قال صدقت ثم انطلق فلما كان بعد ثالثة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمر هل تدري من الرجل قال قلت الله ورسوله أعلم قال ذلك جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم وما أتاني في صورة إلا عرفته فيها إلا في صورته هذه \ قال الفراء فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الإسلام في هذا الحديث اسما لما ظهر من الأعمال والإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان وتصديق بالقلب ليس من الإسلام بل ذلك تفصيل لجملة هي كلها شيء واحد وجماعها الدين ولذلك قال \ ذلك جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم \ والدليل على أن الأعمال من الإيمان ما أخبر أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن علي بن الشاة ثنا أبو أحمد بن محمد بن قريش بن سليمان ثنا بشير بن موسى ثنا خلف بن الوليد عن جرير الرازي عن سهل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان \ الإيمان مأخوذ من الأمان فسمي المؤمن مؤمنا لأنه يؤمن نفسه من عذاب الله والله تعالى مؤمن لأنه يؤمن العباد من عذابه
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»