تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٢٤٣
منافقين من أول يوم آمنوا إلى آخر عمرهم، وعلى هذا فعدهم من المؤمنين فيما تقدم بملاحظة بادئ أمرهم.
والمعنى: بل ظن هؤلاء المنافقون الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله ولن يظهر أحقادهم للدين وأهله.
قوله تعالى: (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم) السيماء العلامة، والمعنى: ولو نشاء لأريناك أولئك المرضى القلوب فلعرفتهم بعلامتهم التي أعلمناهم بها.
وقوله: (ولتعرفنهم في لحن القول) قال الراغب: اللحن صرف الكلام عن سننه الجاري عليه: إما بإزالة الاعراب أو التصحيف وهو المذموم وذلك أكثر استعمالا، وإما بإزالته عن التصريح وصرفه إلى تعريض وفحوى، وهو محمود عند أكثر الأدباء من حيث البلاغة. انتهى.
فالمعنى: ولتعرفنهم من جنس قولهم بما يشتمل عليه من الكناية والتعريض وفي جعل لحن القول ظرفا للمعرفة نوع من العناية المجازية.
وقوله: (والله يعلم أعمالكم) أي يعلم حقائقها وأنها من أي القصود والنيات صدرت فيجازي المؤمنين بصالح أعمالهم وغيرهم بغيرها، ففيه وعد للمؤمنين ووعيد لغيرهم.
قوله تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم) البلاء والابتلاء الامتحان والاختبار، والآية بيان علة كتابة القتال على المؤمنين، وهو الاختبار الإلهي ليمتاز به المجاهدون في سبيل الله الصابرون على مشاق التكاليف الإلهية.
وقوله: (ونبلوا أخباركم) كأن المراد بالاخبار الأعمال من حيث إنها تصدر عن العاملين فيكون أخبارا لهم يخبر بها عنهم، واختبار الأعمال يمتاز به صالحها من طالحها كما أن اختبار النفوس يمتاز به النفوس الصالحة الخيرة وقد تقدم فيما تقدم أن المراد بالعلم الحاصل له تعالى من امتحان عباده هو ظهور حال العباد بذلك، وبنظر أدق هو علم فعلي له تعالى خارج عن الذات.
قوله تعالى: (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد
(٢٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 ... » »»
الفهرست