تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٢٤٢
نصرناكم، وقيل: هم اليهود أو اليهود والمنافقون قالوا ذلك للمشركين. ويرد على الوجهين جميعا أن موضوع الكلام في الآية المرتدون بعد إيمانهم واليهود لم يؤمنوا حتى يرتدوا.
وقيل: هم المنافقون وعدوا اليهود النصر كما قال تعالى: (ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم) الحشر: 11.
وفيه أن الآية تقبل الانطباق على ذلك كما تقبل الانطباق على اليهود في وعدهم النصر للمشركين على تكلف في صدق الارتداد على كفرهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد تبين رسالته لهم لكن لا دليل من طريق لفظ الآية على ذلك فلعلهم قوم من المنافقين غيرهم.
قوله تعالى: (فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) متفرع على ما قبله، والمعنى: هذا حالهم اليوم يرتدون بعد تبين الهدى لهم فيفعلون ما يشاؤن فكيف حالهم إذا توفتهم الملائكة وهم يضربون وجوههم أدبارهم.
قوله تعالى: (ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم) الظاهر أن المراد بما أسخط الله أهواء النفس وتسويلات الشيطان المستتبعة للمعاصي والذنوب الموبقة كما قال تعالى: (واتبعوا أهواءهم)، وقال: (الشيطان سول لهم وأملى لهم).
والسخط والرضا من صفاته تعالى الفعلية و المراد بهما العقاب والثواب.
والإشارة في قوله: (ذلك) إلى ما ذكر في الآية السابقة من عذاب الملائكة لهم عند توفيهم أي سبب عقابهم أن أعمالهم حابطة لاتباعهم ما أسخط الله وكراهتهم رضوانه، وإذ لا عمل لهم صالحا يشقون بالعذاب.
قوله تعالى: (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم) قال الراغب: الضغن - بكسر الضاد - والضغن - بضمها - الحقد الشديد وجمعه أضغان انتهى. والمراد بالذين في قلوبهم مرض الضعفاء الايمان ولعلهم الذين آمنوا أولا على ضعف في إيمانهم ثم مالوا إلى النفاق وارتدوا بعد الايمان، فالتدبر الدقيق في تاريخ صدر الاسلام يوضح أن قوما ممن آمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا على هذه الصفة كما أن قوما منهم آخرين كانوا
(٢٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 ... » »»
الفهرست