تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٢٥٤
وكذا قول بعض آخر فرارا عن الاشكال: (إن العلة هو مجموع المغفرة وما عطف عليه من إتمام النعمة والهداية والنصر العزيز من حيث المجموع فلا ينافي عدم كون البعض أي مغفرة الذنب في نفسه علة للفتح) كلام سخيف لا يغني طائلا فإن مغفرة الذنب لا هي علة أو جزء علة للفتح) ولا مرتبطة نوع ارتباط بما عطف عليها حتى يوجه دخولها في ضمن علله فلا مصحح لذكرها وحدها ولا مع العلل وفي ضمنها.
وبالجملة هذا الاشكال نعم الشاهد على أن ليس المراد بالذنب في الآية هو الذنب المعروف وهو مخالفة التكليف المولوي، ولا المراد بالمغفرة معناها المعروف وهو ترك العقاب على المخالفة المذكورة فالذنب في اللغة على ما يستفاد من موارد استعمالاته هو العمل الذي له تبعة سيئة كيفما كان، والمغفرة هي الستر على الشئ، وأما المعنيان المذكوران المتبادران من لفظي الذنب والمغفرة إلى أذهاننا اليوم أعني مخالفة الامر المولوي المستتبع للعقاب وترك العقاب عليها فإنما لزماهما بحسب عرف المتشرعين.
وقيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالدعوة ونهضته على الكفر والوثنية فيما تقدم على الهجرة وإدامته ذلك وما وقع له من الحروب والمغازي مع الكفار والمشركين فيما تأخر عن الهجرة كان عملا منه صلى الله عليه وآله وسلم ذا تبعة سيئة عند الكفار والمشركين وما كانوا ليغفروا له ذلك ما كانت لهم شوكة ومقدرة، وما كانوا لينسوا زهوق ملتهم وانهدام سنتهم وطريقتهم، ولا ثارات من قتل من صناديدهم دون أن يشفوا غليل صدورهم بالانتقام منه وإمحاء اسمه وإعفاء رسمه غير أن الله سبحانه رزقه صلى الله عليه وآله وسلم هذا الفتح وهو فتح مكة أو فتح الحديبية المنتهي إلى فتح مكة فذهب بشوكتهم وأخمد نارهم فستر بذلك عليه ما كان لهم عليه صلى الله عليه وآله وسلم من الذنب وآمنه منهم.
فالمراد بالذنب - والله أعلم - التبعة السيئة التي لدعوته صلى الله عليه وآله وسلم عند الكفار والمشركين وهو ذنب لهم عليه كما في قول موسى لربه: (ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون) الشعراء: 14، وما تقدم من ذنبه هو ما كان منه صلى الله عليه وآله وسلم بمكة قبل الهجرة، وما تأخر من ذنبه هو ما كان منه بعد الهجرة، ومغفرته تعالى لذنبه هي ستره عليه بإبطال تبعته بإذهاب شوكتهم وهدم بنيتهم، ويؤيد ذلك ما يتلوه من قوله: (ويتم نعمته عليك - إلى أن قال - وينصرك الله نصرا عزيزا).
وللمفسرين في الآية مذاهب مختلفة أخر:
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»
الفهرست