تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٩٢
إلى حد ذاته هالك في نفسه والذي لا سبيل للبطلان والهلاك إليه هو ذاته الواجبة بذاتها.
ومحصل التعليل على هذا المعنى: أن الاله المعبود بالحق يجب أن يكون ذاتا بيده شئ من تدبير العالم، والتدبير الكوني لا ينفك عن الخلق والايجاد فلا معنى لان يوجد الحوادث شئ ويدبر أمرها شئ آخر - وقد أوضحناه مرارا في هذا الكتاب - ولا يكون الخالق الموجد الا واجب الوجود ولا واجب الا هو تعالى فلا اله الا هو.
وقولهم: انه تعالى أجل من أن يحيط به عقل أو وهم فلا يمكن التوجه العبادي إليه فلا بد أن يتوجه بالعبادة إلى بعض مقربي حضرته من الملائكة الكرام وغيرهم ليكونوا شفعاء عنده.
مدفوع بمنع توقف التوجه بالعبادة على العلم الإحاطي بل يكفي فيه المعرفة بوجه وهو حاصل بالضرورة.
وأما على تقدير كون المراد بالهالك ما يستقبله الهلاك والفناء بناء على ما قيل:
ان اسم الفاعل ظاهر في الاستقبال فظاهر الآية أن كل شئ سيستقبله الهلاك بعد وجوده الا وجهه. نعم استقبال الهلاك يختلف باختلاف الأشياء فاستقباله في الزمانيات انتهاء أمد وجودها وبطلانها بعده وفى غيرها كون وجودها محاطا بالفناء من كل جانب.
وهلاك الأشياء على هذا بطلان وجودها الابتدائي وخلو النشأة الأولى عنها بانتقالها إلى النشأة الأخرى ورجوعها إلى الله واستقرارها عنده، وأما البطلان المطلق بعد الوجود فصريح كتاب الله ينفيه فالآيات متتابعة في أن كل شئ مرجعه إلى الله وأنه المنتهى واليه الرجعي وهو الذي يبدئ الخلق ثم يعيده.
فمحصل معنى الآية - لو أريد بالوجه صفاته الكريمة - أن كل شئ سيخلى مكانه ويرجع إليه الا صفاته الكريمة التي هي مبادي فيضه فهي تفيض ثم تفيض إلى ما لا نهاية له والاله يجب أن يكون كذلك لا بطلان لذاته ولا انقطاع لصفاته الفياضة وليس شئ غيره تعالى بهذه الصفة فلا اله الا هو.
ولو أريد بوجهه الذات المقدسة فالمحصل أن كل شئ سيستقبله الهلاك والفناء بالرجوع إلى الله سبحانه الا ذاته الحقة الثابتة التي لا سبيل للبطلان إليها - والصفات على هذا محسوبة من صقع الذات - والاله يجب أن يكون بحيث لا يتطرق الفناء إليه
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»
الفهرست