تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٨٢
الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) الروم: 41.
ومن هنا ظهر أن إرادة العلو من مصاديق إرادة الفساد وانما أفردت وخصت بالذكر اعتناء بأمرها، ومحصل المعنى: تلك الدار الآخرة السعيدة تخصها بالذين لا يريدون فسادا في الأرض بالعلو على عباد الله ولا بأي معصية أخرى.
والآية عامة يخصصها قوله تعالى: (ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما) النساء: 31.
وقوله: (والعاقبة للمتقين) أي العاقبة المحمودة الجميلة وهي الدار الآخرة السعيدة أو العاقبة السعيدة في الدنيا والآخرة لكن سياق الآيتين يؤيد الأول.
قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله خير منها) أي لأنها تتضاعف له بفضل من الله، قال تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) الانعام: 160.
قوله تعالى: (ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات الا ما كانوا يعملون) أي لا يزيدون على ما عملوا شيئا وفيه كمال العدل، كما أن في جزاء الحسنة بخير منها كمال الفضل.
وكان مقتضى الظاهر في قوله: (فلا يجزى الذين عملوا) الخ، الاضمار ولعل في وضع الموصول موضع الضمير إشارة إلى أن هذا الجزاء انما هو لمن أكثر من اقتراف المعصية وأحاطت به الخطيئة كما يفيده جمع السيئات، وقوله: (كانوا يعملون) الدال على الاصرار والاستمرار، وأما من جاء بالسيئة والحسنة فمن المرجو أن يغفر الله له كما قال: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم ان الله غفور رحيم) التوبة: 102.
وليعلم أن الملاك في الحسنة والسيئة على الأثر الحاصل منها عند الانسان وبها تسمى الأعمال حسنة أو سيئة وعليها - لا على متن العمل الخارجي الذي هو نوع من الحركة - يثاب الانسان أو يعاقب، قال تعالى: (وان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) البقرة: 284.
وبه يظهر الجواب عما استشكل على اطلاق الآية بأن التوحيد حسنة ولا يعقل خير منه وأفضل، فالآية اما خاصة بغير الاعتقادات الحقة أو مخصصة بالتوحيد.
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»
الفهرست