تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٣٨٣
ملكاتهم الرذيلة التي رسخت في نفوسهم فقد كانوا يسرون الندامة في الدنيا خوفا من شماتة الأعداء وكذلك يفعلون يوم القيامة مع ظهور ما أسروا واليوم يوم تبلى السرائر كما يكذبون بمقتضى ملكة الكذب مع ظهور أنهم كاذبون في قولهم.
ثم ذكر سبحانه أخذهم للعذاب فقال: (وجعلنا الأغلال) السلاسل (في أعناق الذين كفروا هل يجزون الا ما كانوا يعملون) فصارت أعمالهم أغلالا في أعناقهم تحبسهم في العذاب.
قوله تعالى: (وما أرسلنا في قرية من نذير الا قال مترفوها انا بما أرسلتم به كافرون) المترفون اسم مفعول من الاتراف وهو الزيادة في التنعيم، وفيه اشعار بأن الاتراف يفضى إلى الاستكبار على الحق كما تفيده الآية اللاحقة.
قوله تعالى: (وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين) ضمير الجمع للمترفين، ومن شأن الاتراف والترفه والتقلب في نعم الدنيا أن يتعلق قلب الانسان بها ويستعظمها فيرى السعادة فيها سواء وافق الحق أم خالفه فلا يذكر الا ظاهر الحياة وينسى ما وراءه.
ولذا حكى سبحانه عنهم ذلك إذ قالوا: (نحن أكثر أموالا وأولادا فلا سعادة الا فيها ولا شقوة معها (وما نحن بمعذبين) في آخرة، ولم ينفوا العذاب الا للغفلة والانصراف عما وراء كثرة الأموال والأولاد فإذ كانت هي السعادة والفلاح فحسب فالعذاب في فقدها ولا عذاب معها.
وهاهنا وجه آخر وهو أنهم لغرورهم بما رزقوا به من المال والولد ظنوا أن لهم كرامة على الله سبحانه وهم على كرامتهم عليهم ما داموا، والمعنى: أنا ذوو كرامة على الله بما أوتينا من كثرة الأموال والأولاد ونحن على كرامتنا فما نحن بمعذبين لو كان هناك عذاب.
فتكون الآية في معنى قوله: (ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربى ان لي عنده للحسنى) حم السجدة: 50.
قوله تعالى: (قل ان ربى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس
(٣٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 388 ... » »»
الفهرست