تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢٥٦
وعلى هذا التقدير هل هو فرد من نوع الانسان تولد من نوع آخر كالقردة مثلا على طريق تطور الأنواع وظهور الأكمل من الكامل والكامل من الناقص وهكذا أو هو فرد من الانسان كامل بالكمال الفكري تولد من زوج من الانسان غير المجهز بجهاز التعقل فكان مبدأ لظهور النوع الانساني المجهز بالتعقل القابل للتكليف وانفصاله من النوع غير المجهز بذلك فالبشر الموجودون اليوم نوع كامل من الانسان ينتهى أفراده إلى الانسان الأول الكامل الذي يسمى بآدم، وينشعب هذا النوع الكامل بالتولد تطورا من نوع آخر من الانسان ناقص فاقد للتعقل وهو يسير القهقرى في أنواع حيوانية مترتبة حتى ينتهى إلى أبسط الحيوان تجهيزا وأنقصها كمالا وان أخذنا من هناك سائرين لم نزل ننتقل من ناقص إلى كامل ومن كامل إلى أكمل حتى ننتهي إلى الانسان غير المجهز بالتعقل ثم إلى الانسان الكامل كل ذلك في سلسلة نسبية متصلة مؤلفة من آباء وأعقاب.
أو أن سلسلة التوالد والتناسل تنقطع بالاتصال بآدم وزوجه وهما متكونان من الأرض من غير تولد من أب وأم فليس شئ من هذه الصور ضروريا.
وكيف كان فظاهر الآيات القرآنية هو الصورة الأخيرة وهي انتهاء النسل الحاضر إلى آدم وزوجه المتكونين من الأرض من غير أب وأم.
غير أن الآيات لم تبين كيفية خلق آدم من الأرض وأنه هل عملت في خلقه علل وعوامل خارقة للعادة؟ وهل تمت خلقته بتكوين إلهي آني من غير مهل فتبدل الجسد المصنوع من طين بدنا عاديا ذا روح انساني أو أنه عاد انسانا تاما كاملا في أزمنة معتد بها يتبدل عليه فيها استعداد بعد استعداد وصورة وشكل بعد صورة وشكل حتى تم الاستعداد فنفخ فيه الروح وبالجملة اجتمعت عليه من العلل والشرائط نظير ما تجتمع على النطفة في الرحم.
ومن أوضح الدليل عليه قوله تعالى: (ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) آل عمران: 59، فان الآية نزلت جوابا عن احتجاج النصارى على بنوة عيسى بأنه ولد من غير أب بشرى ولا ولد الا بوالد فأبوه هو الله سبحانه، فرد في الآية بما محصله أن صفته كصفة آدم حيث خلقه الله من أديم
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»
الفهرست