تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢٥٠
من طين هو النوع الذي ينتهى أفراده إلى من خلق من طين من غير تناسل من أب وأم كآدم وزوجه عليهما السلام، والدليل على ذلك قوله بعده: (ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين) فالنسل الولادة بانفصال المولود عن الوالدين والمقابلة بين بدء الخلق وبين النسل لا يلائم كون المراد ببدء الخلق بدء خلق الانسان المخلوق من ماء مهين، ولو كان المراد ذلك لكان حق الكلام أن يقال: ثم جعله سلالة من ماء مهين فافهمه.
وقوله: (ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين) السلالة كما في المجمع الصفوة التي تنسل أي تنزع من غيرها ويسمى ماء الرجل سلالة لانسلاله من صلبه، والمهين من الهون وهو الضعف والحقارة وثم للتراخي الزماني.
والمعنى: ثم جعل ولادته بطريق الانفصال من صفوة من ماء ضعيف أو حقير.
قوله تعالى: (ثم سواه ونفخ فيه من روحه) التسوية التصوير وتتميم العمل، وفى قوله: (نفخ فيه من روحه) استعارة بالكناية بتشبيه الروح بالنفس الذي يتنفس به ثم نفخه في قالب من سواه، وإضافة الروح إليه تعالى إضافة تشريفية، والمعنى:
ثم صور الانسان المبدو خلقه من الطين والمجعول نسله من سلالة من ماء مهين ونفخ فيه من روح شريف منسوب إليه تعالى.
قوله تعالى: (وجعل لكم السمع والابصار والأفئدة قليلا ما تشكرون) امتنان بنعمة الادراك الحسى والفكري فالسمع والبصر للمحسوسات والقلوب للفكريات أعم من الادراكات الجزئية الخيالية والكلية العقلية.
وقوله: (قليلا ما تشكرون) أي تشكرون شكرا قليلا، والجملة اعتراضية في محل التوبيخ وقيل: الجملة حالية، والمعنى: جعل لكم الابصار والأفئدة والحال أنكم تشكرون قليلا، والجملة على أي حال مسوقة للبث والشكوى والتوبيخ.
والالتفات في قوله: (وجعل لكم) الخ، من الغيبة إلى خطاب الجمع لتسجيل أن الانعام الإلهي الشامل للجميع يربو على شكرهم فهم قاصرون أو أكثرهم مقصرون.
قوله تعالى: (وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون) حجة من منكري البعث مبنية على الاستبعاد. والضلال في الأرض قيل: هو الضيعة كما يقال: ضلت النعمة أي ضاعت، وقيل: هو بمعنى الغيبة، وكيف
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»
الفهرست