تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢١٥
قوله تعالى: (ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله) الخ، الحكمة على ما يستفاد من موارد استعمالها هي المعرفة العلمية النافعة وهي وسط الاعتدال بين الجهل والجربزة. وقوله: (أن اشكر لي) قيل: هو بتقدير القول أي وقلنا: أن اشكر لي.
والظاهر أنه تفسير ايتائه الحكمة من غير تقدير القول، وذلك أن حقيقة الشكر هي وضع النعم في موضعها الذي ينبغي له بحيث يشير إلى انعام المنعم، وايقاعه كما هو حقه يتوقف على معرفة المنعم ومعرفة نعمه بما هي نعمه وكيفية وضعها موضعه بحيث يحكى عن انعامه فايتاؤه الحكمة بعث له إلى الشكر فايتاء الحكمة أمر بالشكر بالملازمة.
وفى قوله: (أن اشكر لله) التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة وذلك أن التكلم مع الغير من المتكلم اظهار للعظمة بالتكلم عن قبل نفسه وخدمه وقول أن اشكر لنا على هذا لا يناسب التوحيد في الشكر وهو ظاهر.
وقوله: (ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فان الله غنى حميد) استغناء منه تعالى أن نفع الشكر انما يرجع إلى نفس الشاكر والكفر لا يتضرر به الا نفسه دونه سبحانه ومن يشكر فإنما يوقع الشكر لنفع نفسه ولا ينتفع به الله سبحانه لغناه المطلق ومن كفر فإنما يتضرر به نفسه ان الله غنى لا يؤثر فيه الشكر نفعا ولا ضرا حميد محمود على ما أنعم سواء شكر أو كفر.
وفى التعبير عن الشكر بالمضارع الدال على الاستمرار وفى الكفر بالماضي الدال على المرة اشعار بأن الشكر انما ينفع مع الاستمرار لكن الكفر يتضرر بالمرة منه.
قوله تعالى: (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بنى لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم) عظمة كل عمل بعظمة أثره وعظمة المعصية بعظمة المعصي فان مؤاخذة العظيم عظيمة فأعظم المعاصي معصية الله لعظمته وكبريائه فوق كل عظمة وكبرياء بأنه الله لا شريك له وأعظم معاصيه معصيته في أنه الله لا شريك له.
وقوله: (ان الشرك لظلم عظيم) حيث أطلق عظمته من غير تقييد بقياسه إلى سائر المعاصي يدل على أن له من العظمة ما لا يقدر بقدر.
قوله تعالى: (ووصينا الانسان بوالديه) إلى آخر الآية، اعتراض واقع بين الكلام المنقول عن لقمان وليس من كلام لقمان وانما اطرد ههنا للدلالة على وجوب
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»
الفهرست