تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٨
والقضاء هو الحكم والقضاء عليه كناية عن الفراغ من أمره بموته، والمعنى: فدفعه أو ضربه موسى بالوكز فمات، وكان قتل خطأ ولولا ذلك لكان من حق الكلام أن يعبر بالقتل.
وقوله: (قال هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين) الإشارة بهذا إلى ما وقع بينهما من الاقتتال حتى أدى إلى موت القبطي وقد نسبه نوع نسبة إلى عمل الشيطان إذ قال: (هذا من عمل الشيطان) و (من) ابتدائية تفيد معنى الجنس أو نشوئية، والمعنى: هذا الذي وقع من المعاداة والاقتتال من جنس العمل المنسوب إلى الشيطان أو ناش من عمل الشيطان فإنه هو الذي أوقع العداوة والبغضاء بينهما وأغرى على الاقتتال حتى أدى ذلك إلى مداخلة موسى وقتل القبطي بيده فأوقعه ذلك في خطر عظيم وقد كان يعلم أن الواقعة لا تبقى خفية مكتومة وأن القبط سيثورون عليه وأشرافهم وملاؤهم وعلى رأسهم فرعون سينتقمون منه ومن كل من تسبب إلى ذلك أشد الانتقام.
فعند ذلك تنبه عليه السلام أنه أخطأ فيما فعله من الوكز الذي أورده مورد الهلكة ولا ينسب الوقوع في الخطأ إلى الله سبحانه لأنه لا يهدى الا إلى الحق والصواب فقضى أن ذلك منسوب إلى الشيطان.
وفعله ذاك وان لم يكن معصية منه لوقوعه خطأ وكون دفاعه عن الإسرائيلي دفعا لكافر ظالم، لكن الشيطان كما يوقع بوسوسته الانسان في الاثم والمعصية كذلك يوقعه في أي مخالفة للصواب يقع بها في الكلفة والمشقة كما أوقع آدم وزوجه فيما أوقع من أكل الشجرة المنهية فأدى ذلك إلى خروجهما من الجنة.
فقوله: (هذا من عمل الشيطان) انزجار منه عما وقع من الاقتتال المؤدى إلى قتل القبطي ووقوعه في عظيم الخطر وندم منه على ذلك، وقوله: (انه عدو مضل مبين) إشارة منه إلى أن فعله كان من الضلال المنسوب إلى الشيطان وان لم يكن من المعصية التي فيها اثم ومؤاخذة بل خطأ محضا لا ينسب إلى الله بل إلى الشيطان الذي هو عدو مضل مبين، فكان ذلك منه نوعا من سوء التدبير وضلال السعي يسوقه إلى عاقبة وخيمة ولذا لما اعترض عليه فرعون بقوله: (وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»
الفهرست