تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٧٠
ولا سيما أئمة الكفر منهم، واللاغي من الاستغفار لا أثر له، ولو لم يكن استغفارهم لاغيا وارتفع به ما أجرموه بقولهم: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الآية لم يكن وجه لذمهم وتأنيبهم بقوله تعالى: (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق) في سياق هذه الآيات المسوقة لذمهم ولومهم وعد جرائمهم ومظالمهم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين.
على أن قوله تعالى بعد الآيتين: (وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام) الآية لا يلائم نفى العذاب في هاتين الآيتين فإن ظاهر الآية ان العذاب المهدد به هو عذاب القتل بأيدي المؤمنين كما يدل عليه قوله بعده: (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وحينئذ فلو كان القائلون: (اللهم إن كان هذا هو الحق الآية مشركي قريش أو بعضهم وكان المراد من العذاب المنفى العذاب السماوي لم يستقم إنكار وقوع العذاب عليهم بالقتل ونحوه فان الكلام حينئذ يؤول إلى معنى التشديد:
ومحصله: انهم كانوا أحق بالعذاب ولهم جرم آخر وراء ما أجرموه وهو الصد عن المسجد الحرام، وهذا النوع من الترقي انسب بإثبات العذاب لهم لا لنفيه عنهم.
وإن كان المراد بالعذاب المنفى هو القتل ونحوه كان عدم الملاءمة بين قوله:
(وما لهم أن لا يعذبهم الله وقوله: (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) وبين قوله:
(وما كان الله ليعذبهم) الخ، أوضح وأظهر.
وربما وجه الآية بهذا المعنى بعضهم بان المراد بقوله: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) عذاب أهل مكة قبل الهجرة، وبقوله: (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) عذاب الناس كافة بعد هجرته صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وإيمان جمع واستغفارهم ولذا قيل: إن صدر الآية نزلت قبل الهجرة، وذيلها بعد الهجرة!
وهو ظاهر الفساد فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما كان فيهم بمكة قبل الهجرة كان معه جمع ممن يؤمن بالله ويستغفره، وهو صلى الله عليه وآله وسلم بعد الهجرة كان في الناس فما معنى تخصيص صدر الآية بقوله: (وأنت فيهم) وذيلها بقوله: (وهم يستغفرون).
ولو فرض ان معنى الآية ان الله لا يعذب هذه الأمة ما دمت فيهم ببركة وجودك، ولا يعذبهم بعدك ببركة استغفارهم لله والمراد بالعذاب عذاب الاستئصال لم يلائم الآيتين التاليتين: (وما لهم الا يعذبهم الله) الخ مع ما تقدم من الاشكال عليه.
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»
الفهرست