تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٦٩
كان هذا هو الحق من عندك) الآية مع أنها مسوقة سوق الجواب عن قولهم.
ويشتد الاشكال بناء على ما وقع في بعض أسباب النزول انهم قالوا: اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزل قوله تعالى: (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع) وسيجئ الكلام فيه وفي غيره من أسباب النزول المروية في البحث الروائي التالي إن شاء الله.
والذي تمحل به بعض المفسرين في توجيه مضمون الآية بناء على حملها على ما مر من المعنى ان الله سبحانه ارسل محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين ونعمة لهذه الأمة لا نقمة وعذابا. فيه انه ليس مقتضى الرحمة للعالمين ان يهمل مصلحة الدين، ويسكت عن مظالم الظالمين وان بلغ ما بلغ وأدى إلى شقاء الصالحين واختلال نظام الدنيا والدين، وقد حكى الله سبحانه عن نفسه بقوله: (ورحمتي وسعت كل شئ) ولم يمنع ذلك من حلول غضبه على من حل به من الأمم الماضية والقرون الخالية كما ذكره في كلامه.
على أنه تعالى سمى ما وقع على كفار قريش من القتل والهلاك في بدر وغيره عذابا ولم يناف ذلك قوله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء: 107، وهدد هذه الأمة بعذاب واقع قطعي في سور يونس والاسراء والأنبياء والقصص والروم والمعارج وغيرها ولم يناف ذلك كونه صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين فما بال نزول العذاب على شرذمة تفوهت بهذه الكلمة: (اللهم إن كان هذا هو الحق) الخ، ينافي قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم نبي الرحمة مع أن من مقتضى الرحمة ان يوفى لكل ذي حق حقه، وأن يقتص للمظلوم من الظالم وأن يؤخذ كل طاغية بطغيانه.
وأما قوله تعالى: (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) فظاهره النفي الاستقبالي على ما هو ظاهر الصفة: (معذبهم) وكون قوله: (يستغفرون) مسوقا لإفادة الاستمرار والجملة حالية، والمعنى: ولا يستقبلهم الله بالعذاب ما داموا يستغفرونه.
والآية كيفما أخذت لا تنطبق على حال مشركي مكة وهم مشركون معاندون لا يخضعون لحق ولا يستغفرون عن مظلمة ولا جريمة، ولا يصلح الامر بما ورد في بعض الآثار انهم قالوا ما قالوا ثم ندموا على ما قالوا فاستغفروا الله بقولهم: (غفرانك اللهم).
وذلك - مضافا إلى عدم ثبوته - انه تعالى لا يعبأ في كلامه باستغفار المشركين
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»
الفهرست