تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٦٦
(بيان) الآيات في سياق الآيات السابقة وهى متصلة بها ومنعطفة على آيات أول السورة إلا قوله: (وإذ قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق) الآية والآية التي تليها، فان ظهور اتصالها دون بقية الآيات، وسيجئ الكلام فيها إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك) إلى آخر الآية، قال الراغب: المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة، وذلك ضربان:
ضرب محمود وذلك أن يتحرى به فعل جميل وعلى ذلك قال: والله خير الماكرين، ومذموم وهو ان يتحرى به فعل قبيح قال: ولا يحيق المكر السيئ الا بأهله. وإذ يمكر بك الذين كفروا. فانظر كيف كان عاقبة مكرهم، وقال في الامرين: ومكروا مكرا ومكرنا مكرا، وقال بعضهم: من مكر الله امهال العبد وتمكينه من اعراض الدنيا، ولذلك قال أمير المؤمنين رضي الله عنه: من وسع عليه دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله. انتهى.
وفي المجمع: الاثبات الحبس يقال: رماه فأثبته أي حبسه مكانه، وأثبته في الحرب أي جرحه جراحة مثقلة. انتهى.
ومقتضى سياق الآيات ان يكون قوله: (وإذ يمكر بك الذين كفروا) الآية معطوفة على قوله سابقا: (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين انها لكم) فالآية مسوقة لبيان ما أسبغ الله عليهم من نعمته، وأيدهم به من اياديه التي لم يكن لهم فيها صنع.
ومعنى الآية: واذكر أو وليذكروا إذ يمكر بك الذين كفروا من قريش لابطال دعوتك ان يوقعوا بك أحد أمور ثلاثة: إما ان يحبسوك واما ان يقتلوك واما ان يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
والترديد في الآية بين الحبس والقتل والاخراج بيانا لما كانوا يمكرونه من مكر يدل انه كان منهم شورى يشاور فيها بعضهم بعضا في أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما كان يهمهم ويهتمون به من اطفاء نور دعوته، وبذلك يتأيد ما ورد من أسباب النزول ان الآية تشير إلى قصة دار الندوة على ما سيجئ في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى.
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»
الفهرست