تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٤١٢
منكم خاصة فيحق عليكم ان تطيعوا امره لأنه رسول لا يصدع إلا عن أمر الله، وطاعته طاعة الله، وان تأنسوا به وتحنوا إليه لأنه من أنفسكم، وان تجيبوا دعوته وتصغوا إليه كما ينصح لكم.
ومن هنا يظهر أن القيود المأخوذة في الكلام من الأوصاف أعني قوله (رسول) و (من أنفسكم) و (عزيز عليه ما عنتم) الخ، جميعها مسوقة لتأكيد الندب إلى إجابته وقبول دعوته، ويدل عليه قوله في الآية التالية: (فان تولوا فقل حسبي الله).
قوله تعالى: (فان تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) أي وان تولوا عنك وأعرضوا عن قبول دعوتك فقل حسبي الله لا إله إلا هو أي هو كافى لا إله إلا هو.
فقوله: (لا إله إلا هو) في مقام التعليل لانقطاعه من الأسباب واعتصامه بربه فهو كاف لا كافى سواه لأنه الله لا إله غيره، ومن المحتمل ان تكون كلمة التوحيد جئ بها للتعظيم نظير قوله: (وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه) البقرة: 116.
وقوله: (عليه توكلت) وفيه معنى الحصر تفسير يفسر به قوله: (حسبي الله) الدال على معنى التوكل بالالتزام، وقد تقدم في بعض الأبحاث السابقة ان معنى التوكل هو اتخاذ العبد ربه وكيلا يحل محل نفسه ويتولى تدبير أموره أي انصرافه عن التسبب بذيل ما يعرفه من الأسباب، ولا محالة هو بعض الأسباب الذي هو علة ناقصة والاعتصام بالسبب الحقيقي الذي إليه ينتهي جميع الأسباب.
ومن هنا يظهر وجه تذييل الكلام بقوله: (وهو رب العرش العظيم) اي الملك والسلطان الذي يحكم به على كل شئ ويدبر به كل أمر.
وانما قال تعالى: (فقل حسبي الله) الآية ولم يقل: فتوكل على الله لارشاده إلى أن يتوكل على ربه وهو ذاكر هذه الحقائق التي تنور حقيقة معنى التوكل، وان انظر المصيب هو ان لا يثق الانسان بما يدركه من الأسباب الظاهرة التي هي لا محالة بعض الأسباب بل يأخذ بما يعلمه منها على ما طبعه الله عليه ويثق بربه ويتوكل عليه في حصول بغيته وغرضه.
(٤١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 404 405 406 407 408 409 410 411 412 413 414 » »»
الفهرست