تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٤١١
قوله تعالى: (وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد) الآية وهذه خصيصة أخرى من خصائصهم وهى أنهم عند نزول سورة قرآنية - ولا محالة هم حاضرون - ينظر بعضهم إلى بعض نظر من يقول: هل يراكم من أحد، وهذا قول من يسمع حديثا لا يطيقه ويضيق بذلك صدره فيتغير لونه ويظهر القلق والاضطراب في وجهه فيخاف ان يلتفت إليه ويظهر السر الذي طواه في قلبه فينظر إلى بعض من كان قد أودعه سره وأوقفه على باطن امره كأنه يستفسره هل يطلع على ما بنا من القلق والاضطراب أحد؟
فقوله: (نظر بعضهم إلى بعض) أي بعض المنافقين، وهذا من الدليل على أن الضمير في قوله في الآية السابقة: (فمنهم من يقول) أيضا للمنافقين، وقوله:
(نظر بعضهم إلى بعض) أي نظر قلق مضطرب يحذر ظهور امره وانهتاك ستره، وقوله: (هل يراكم من أحد) في مقام التفسير للنظر أي نظر بعضهم إلى بعض نظر من يقول: هل يراكم من أحد؟ ومن للتأكيد وأحد فاعل يراكم.
وقوله: (ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون) ظاهر السياق ان المعنى ثم انصرفوا من عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حال صرف الله قلوبهم عن وعى الآيات الإلهية والايمان بها بسبب انهم قوم لا يفقهون الكلام الحق فالجملة حالية على ما يجوزه بعضهم.
وربما احتمل كون قوله: (صرف الله قلوبهم) دعاء منه تعالى على المنافقين، وله نظائر في القرآن، والدعاء منه تعالى على أحد إيعاد له بالشر.
قوله تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) العنت هو الضرر والهلاك، وما في قوله: (ما عنتم) مصدرية التأويل عنتكم، والمراد بالرسول على ما يشهد سياق الآيتين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد وصفه بأنه من أنفسهم والظاهر أن المراد به انه بشر مثلكم ومن نوعكم إذ لا دليل يدل على تخصيص الخطاب بالعرب أو بقريش خاصة، وخاصة بالنظر إلى وجود رجال من الروم وفارس والحبشة بين المسلمين في حال الخطاب.
والمعنى لقد جاءكم أيها الناس رسول من أنفسكم، من أوصافه انه يشق عليه ضركم أو هلاككم وأنه حريص عليكم جميعا من مؤمن أو غير مؤمن، وأنه رؤوف رحيم بالمؤمنين
(٤١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 404 405 406 407 408 409 410 411 412 413 414 » »»
الفهرست