تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٤٧٤
وبنى عليه للغيث وهو الإسبال وما للأسد وهو الإشبال. يقال أسبل المطر: إذا هطل، وأشبل الأسد: إذا ولد له شبل.
(كأن قلوب الطير رطبا ويابسا * لدى وكرها العناب والحشف البالي) من قصيدة امرئ القيس اللامية المشهورة التي أولها:
* ألا أنعم صباحا أيها الطلل البالي * في سورة البقرة عند قوله تعالى (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) إلى آخر الآية من حيث إن هذا تشبيه أشياء بأشياء، وإنما لم يصرح بذكر المشبهات كما في قوله (وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسئ) وفي قول امرئ القيس * كأن قلوب الطير رطبا ويابسا * لأنه كما جاء ذلك صريحا، فقد جاء مطويا، والصحيح الذي عليه علماء البيان أن التمثيلين من جملة التمثيلات المركبة دون المفردة لا يتكلف لواحد واحد شئ يقدر شبهه به، ثم إن في هذه الآيات لو قلنا مثلهم كمثل ومن ذي حق (1) يتعلق به شبيهات وفيه وعد ووعيد لم يكن له معنى، وكذا في قوله (وما يستوي البحران) الآية، لأن في قوله (هذا عذب فرات سائغ) إلى قوله (وترى الفلك فيه مواخر) الآية دلالة ظاهرة على أن المراد بهما معناهما الحقيقي فيكون تشبيها: أي لا يستوي الإسلام والكفر اللذان هما كالبحرين، يصف امرؤ القيس العقاب وهو مخصوص بأكل قلب الطير، وقد استشهد بالبيت في سورة هود عند قوله تعالى (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) شبه فريق الكافرين بالأعمى والأصم، وفريق المؤمنين بالبصير والسميع، وهو من اللف والطباق، وفيه معنيان: أن يشبه الفريق بشيئين اثنين كما شبه امرؤ القيس قلوب الطير بالحشف البالي والعناب، وأن يشبهه بالذي جمع بين العمى والصمم أو الذي جمع بين البصر والسمع، على أن تكون الواو في الأصم وفي السميع لعطف الصفة على الصفة، كقوله: الصابح فالغانم فالآيب، كما تقدم في قوله (كمثل الذي استوقد نارا) والتشبيه الثاني يحتمل أن يكون مركبا وهميا بأن يمثل حال فريق الكفار في تعاميهم عن الآيات المنصوبة بين أيديهم وتصامهم عن الآيات المتلوة بحال من اجتمع فيه الصفتان العمى والصمم، فهو أبدا في خبط وضلال، لأن الأعمى إذا سمع شيئا ربما يهتدي إلى الطريق إذا نعق له، والأصم يسمع بالإشارة، ومن جمع بينهما فلا حيلة فيه، وأن يكون مركبا عقليا بأن تؤخذ الزبدة والخلاصة من المجموع، والوجه تمكن الضلال وعدم الإنتفاع. والفرق بين التشبيهين هو أن الأول تفاوت فيه حال بعض من الفريق فإن الأصم أدون حالا من الأعمى، وعلى الثاني لا تفاوت البتة.
(يسقون من ورد البريص عليهم * بردي يصفق بالرحيق السلسل) لحسان بن ثابت رضي الله عنه يذكر فيه أزمانا كانت موارد اللذات له والمؤانسة مع الملوك الغسانيين، وهي قصيدة مشهورة أولها:
* أسألت رسم الدار أم لم تسأل * وقبل البيت: لله در عصابة نادمتهم * يوما بجلق في الزمان الأول

(1) قوله (ومن ذي حق الخ) هكذا في الأصل وفي الكلام خلل فحرر كتبه مصححه.
(٤٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 469 470 471 472 473 474 475 476 477 478 479 ... » »»
الفهرست