الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٩
فأوحى إلى عبده ما أوحى. ما كذب الفؤاد ما رأى. أفتمارونه على ما يرى. ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى. عندها جنة المأوى. إذ يغشى السدرة ما يغشى.
____________________
وقد جعلتني من حزيمة إصبعا * فإن قلت: كيف تقدير قوله فكان قاب قوسين؟ قلت: تقديره فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين، فحذفت هذه المضافات كما قال أبو علي في قوله:
* وقد جعلتني من حزيمة إصبعا * أي ذا مقدار مسافة إصبع (أو أدنى) أي على تقديركم كقوله تعالى - أو يزيدون - (إلى عبده) إلى عبد الله وإن لم يجر لاسمه عز وجل ذكر لأنه لا يلبس كقوله على ظهرها (ما أوحى) تفخيم للوحى الذي أوحى إليه. قيل أوحى إليه " إن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك " (ما كذب) فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه ببصره من صورة جبريل عليه السلام: أي ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك، ولو قال ذلك لكان كاذبا لأنه عرفه: يعنى أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه ولم يشك في أن ما رآه حق.
وقرئ ما كذب: أي صدقه ولم يشك أنه جبريل عليه السلام بصورته (أفتمارونه) من المراء وهو الملاحاة والمجادلة، واشتقاقه من مري الناقة كأن كل واحد من المتجادلين يمرى ما عند صاحبه. وقرط أفتمرونه أفتغلبونه في المراء من ماريته فمريته، ولما فيه من معنى الغلبة عدى بعلى كما تقول غلبته على كذا. وقيل أفتمرونه أفتجدونه وأنشدوا:
لئن هجوت أخا صدق ومكرمة * لقد مريت أخا ما كان يمريكا وقالوا: يقال مريته حقه إذا جحدته وتعديته بعلى لا تصح إلا على مذهب التضمين (نزلة أخرى) مرة أخرى من النزول نصبت النزلة نصب الظرف الذي هو مرة لأن الفعلة اسم للمرة من الفعل فكانت في حكمها: أي نزل عليه جبريل عليه السلام نزلة أخرى في صورة نفسه فرآه عليها وذلك ليلة المعراج. قيل في سدرة المنتهى هي شجرة نبق في السماء السابعة عن يمين العرش، ثمرها كقلال هجر وورقها كآذان الفيول، تنبع من أصلها الأنهار التي ذكرها الله في كتابه، يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها. والمنتهى بمعنى موضع الانتهاء أو الانتهاء كأنها في منتهى الجنة وآخرها. وقيل لم يجاوزها أحد وإليها ينتهى علم الملائكة وغيرهم ولا يعلم أحد ما وراءها. وقيل تنتهي إليها أرواح الشهداء (جنة المأوى) الجنة التي يصير إليها المتقون عن الحسن، وقيل: تأوى إليها أرواح الشهداء. وقرأ على وابن الزبير وجماعة جنة المأوى: أي ستره بضلاله ودخل فيه. وعن عائشة: أنها أنكرته وقالت: من قرأ به فأجنه الله (ما يغشى) تعظيم وتكثير لما يغشاها، فقد علم بهذه العبارة أن ما يغشاها من الخلائق الدالة على عظمة الله وجلاله أشياء لا يكتنهها النعت ولا يحيط بها الوصف، وقد قيل يغشاها الجم الغفير من الملائكة يعبدون الله عندها. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأيت على كل ورقة من ورقها ملكا قائما يسبح الله " وعنه عليه الصلاة والسلام " يغشاها رفرف من طير خضر " وعن ابن مسعود وغيره " يغشاها فراش من ذهب "
(٢٩)
مفاتيح البحث: الكذب، التكذيب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»