الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٤٠
ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر. فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا. عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر. كذبت قوم لوط بالنذر. إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر. نعمة من عندنا كذلك نجزى من شكر. ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر. ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر. ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر فذوقوا عذابي ونذر. ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر.
____________________
ولا تعجل حتى يأتيك أمري (قسمة بينهم) مقسوم بينهم لها شرب يوم ولهم شرب يوم، وإنما قال بينهم تغليبا للعقلاء (مختضر) محضور لهم أو للناقة. وقيل يحضرون الماء في نوبتهم واللبن في نوبتها (صاحبهم) قدار بن سالف أحيمر ثمود (فتعاطى) فاجترأ على تعاطى الأمر العظيم غير مكترث له. فأحدث العقر بالناقة، وقيل فتعاطى الناقة فعقرها أو فتعاطى السيف (صيحة واحدة) صيحة جبريل. والهشيم: الشجر اليابس المتهشم المتكسر.
و (المحتظر) الذي يعمل الحظيرة وما يحتظر به ييبس بطول الزمان وتتوطؤه البهائم فيتحطم ويتهشم. وقرأ الحسن بفتح الظاء وهو موضع الاحتظار: أي الحظيرة (حاصبا) ريحا تحصبهم بالحجارة: أي ترميهم (بسحر) بقطع من الليل وهو السدس الأخير منه، وقيل هما سحران: فالسحر الأعلى قبل انصداع الفجر، والآخر عند انصداعه وأنشد * مرت بأعلى السحرين تدأل * وصرف لأنه نكرة، ويقال لقيته سحر إذا لقيته في سحر يومه (نعمة) إنعاما مفعول له (من شكر) نعمة الله بإيمانه وطاعته (ولقد أنذرهم) لوط عليه السلام (بطشتنا) أخذتنا بالعذاب (فتماروا) فكذبوا (بالنذر) متشاكين (فطمسنا أعينهم) فمسحناها وجعلناها كسائر الوجه لا يرى لها شق. روى أنهم لما عالجوا باب لوط عليه السلام ليدخلوا قالت الملائكة: خلهم يدخلوا - إنا رسل ربك لن يصلوا إليك - فصفتهم جبريل عليه السلام بجناحه صفقة فتركهم يترددون لا يهتدون إلى الباب حتى أخرجهم لوط (فذوقوا) فقلت لهم ذوقوا على ألسنة الملائكة (بكرة) أول النهار وباكره فقوله مشرقين ومصبحين. وقرأ زيد بن علي رضي الله عنهما بكرة غير منصرفة، تقول: أتيته بكرة وغدوة بالتنوين إذا أردت التنكير، وبغيره إذا عرفت وقصدت بكرة نهارك وغدوته (عذاب مستقر) ثابت قد استقر عليهم إلى أن يفضى بهم إلى عذاب الآخرة. فإن قلت:
ما فائدة تكرير قوله (فذوقوا عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من المدكر)؟ قلت: فائدته أن يجددوا عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين أدكارا واتعاظا، وأن يستأنفوا تنبها واستيقاظا إذا سمعوا الحث على ذلك والبعث عليه، وأن يقرع لهم العصا مرات ويقعقع لهم الشن تارات لئلا يغلبهم السهو ولا تستولى عليهم الغفلة، وهكذا حكم التكرير كقوله - فبأي آلاء ربكما تكذبان - عند كل نعمة عدها في سورة الرحمن، وقوله - ويل يومئذ للمكذبين - عند كل آية أوردها في سورة والمرسلات، وكذلك تكرير الأنباء والقصص في أنفسها لتكون تلك
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»