الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٣١
ألكم الذكر وله الأنثى. تلك إذا قسمة ضيزى. إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى. أم للإنسان ما تمنى. فلله الآخرة والأولى. وكم من ملك في السماوات لا تغنى شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى. إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة
____________________
بنات الله، وكانوا يعبدونهم ويزعمون أنهم شفعاؤهم عند الله تعالى مع وأدهم البنات فقيل لهم (ألكم الذكر وله الأنثى) ويجوز أن يراد أن اللات والعزى ومناة إناث وقد جعلتموهن لله شركاء، ومن شأنكم أن تحتقروا الإناث وتستنكفوا من أن يولدن لكم وينسبن إليكم، فكيف تجعلون هؤلاء الإناث أندادا لله وتسمونهن آلهة (قسمة ضيزى) جائرة من ضازه يضيزه إذا ضامه، والأصل ضوزى (1) ففعل بها ما فعل ببيض لتسلم الياء. وقرئ ضئزى من ضأز بالهمز، وضيزى بفتح الضاد (هي) ضمير الأصنام: أي ما هي (إلا أسماء) ليس تحتها في الحقيقة مسميات لأنكم تدعون الإلهية لما هو أبعد شئ منها وأشد منافاة لها، ونحوه قوله تعالى - ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها - أو ضمير الأسماء وهى قولهم اللات والعزى ومناة وهم يقصدون بهذه الأسماء الآلهة:
يعنى ما هذه الأسماء إلا أسماء سميتموها بهواكم وشهوتكم ليس لكم من الله على صحة تسميتها برهان تتعلقون به، ومعنى (سميتموها) سميتم بها، يقال سميته زيدا وسميته بزيد (إن يتبعون) وقرئ بالتاء (إلا الظن) إلا توهم أن ما هم عليه حق وأن آلهتهم شفعاؤهم وما تشتهيه أنفسهم ويتركون ما جاءهم من الهدى والدليل على أن دينهم باطل (أم للإنسان ما تمنى) هي أم المنقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار: أي ليس للإنسان ما تمنى، والمراد طمعهم في شفاعة الآلهة وهو تمن على الله في غاية البعد. وقيل هو قولهم - ولئن رجعت إلى ربى إن لي عنده للحسنى - وقيل هو قول الوليد ابن المغيرة - لأوتين مالا وولدا - وقيل هو تمنى بعضهم أن يكون هو النبي صلى الله عليه وسلم (فلله الآخرة والأولى) أي هو مالكهما فهو يعطى منهما من يشاء ويمنع من يشاء،، وليس لأحد أن يتحكم عليه في شئ منهما. يعنى أن أمر الشفاعة ضيق وذلك أن الملائكة مع قربتهم وزلفاهم وكثرتهم واغتصاص السماوات بجموعهم لو شفعوا بأجمعهم لأحد لم تغن شفاعتهم عنه شيئا قط ولم تنفع إلا إذا شفعوا من بعد أن يأذن الله لهم في الشفاعة لمن يشاء الشفاعة له ويرضاه ويراه أهلا لأن يشفع له، فكيف تشفع الأصنام إليه بعبدتهم (ليسمون الملائكة) أي كل واحد

(1) قوله (والأصل ضوزى) الصواب ضيزى: أي بضم الضاد وبالياء الساكنة على فعلى مضموم الفاء فكسرت الضاد لتسليم الياء، كتبه مصححه.
(٣١)
مفاتيح البحث: الظنّ (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»