الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٤
وزوجناهم بحور عين. والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شئ كل امرئ بما كسب رهين وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون. يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم. ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون
____________________
هنيئا مريئا غير داء مخامر * لعزة من أعراضنا ما استحلت أعني صفة استعملت استعمال المصدر القائم مقام الفعل مرتفعا به ما استحلت كما يرتفع بالفعل كأنه قيل هنأ عزة المستحل من أعراضنا، وكذلك معنى هنيئا ههنا هنأكم الأكل والشرب، أو هنأكم ما كنتم تعملون: أي جزاء ما كنتم تعملون، والباء مزيدة كما في كفى بالله، والباء متعلقة بكلوا واشربوا إذا جعلت الفاعل الأكل والشرب.
وقرئ بعيس عين (والذين آمنوا) معطوف على حور عين: أي قرناهم بالحور وبالذين آمنوا: أي بالرفقاء والجلساء منهم كقوله تعالى - إخوانا على سرر متقابلين - فيتمتعون تارة بملاعبة الحور وتارة بمؤانسة الإخوان المؤمنين (وأتبعناهم ذرياتهم) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه لتقربهم عينه، ثم تلا هذه الآية " فيجمع الله لهم أنواع السرور بسعادتهم في أنفسهم وبمزاوجة الحور العين وبمؤانسة الإخوان المؤمنين وباجتماع أولادهم ونسلهم بهم، ثم قال (بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم) أي بسبب إيمان عظيم رفيع المحل وهو إيمان الآباء ألحقنا بدرجاتهم ذريتهم وإن كانوا لا يستأهلونها تفضلا عليهم وعلى آبائهم لنتم سرورهم ونكمل نعيمهم. فإن قلت: ما معنى تنكير الإيمان؟ قلت: معناه الدلالة على أنه إيمان خاص عظيم المنزلة ويجوز أن يراد إيمان الذرية الداني المحل كأنه قال: بشئ من الإيمان لا يؤهلهم لدرجة الآباء ألحقناهم بهم، وقرئ وأتبعتهم ذريتهم واتبعتهم ذريتهم وذرياتهم. وقرئ ذرياتهم بكسر الذال، ووجه آخر وهو أن يكون والذين آمنوا مبتدأ خبره بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم وما بينهما اعتراض (وما ألتناهم) وما نقصناهم: يعنى وفرنا عليهم جميع ما ذكرنا من الثواب والتفضل وما نقصناهم من ثواب عملهم من شئ. وقيل معناه: وما نقصناهم من ثوابهم شيئا نعطيه الأبناء حتى يلحقوا بهم إنما ألحقناهم بهم على سبيل التفضل. قرئ ألتناهم وهو من بابين من ألت يألت ومن ألات يليت كأمات يميت، وآلتناهم من آلت يؤلت كآمن يؤمن، ولتناهم من لات يليت، وولتناهم من ولت يلت ومعناهن واحد (كل امرئ بما كسب رهين) أي مرهون كأن نفس العبد رهن عند الله بالعمل الصالح الذي هو مطالب به كما يرهن الرجل عبده بدين عليه، فإن عمل صالحا فكها وخلصها وإلا أوبقها (وأمددناهم) وزدناهم في وقت بعد وقت (يتنازعون) يتعاطون ويتعاورون هم وجلساؤهم من أقربائهم وإخواتهم (كأسا) خمرا (لا لغو فيها) في شربها (ولا تأثيم) أي لا يتكلمون في أثناء الشرب بسقط الحديث وما لا طائل تحته كفعل المتنادمين في الدنيا على الشراب في سفههم وعربدتهم ولا يفعلون ما يؤثم به فاعله: أي ينسب إلى الإثم لو فعله في دار التكليف من الكذب والشتم والفواحش، وإنما يتكلمون بالحكم والكلام الحسن متلذذين بذلك لأن عقولهم ثابتة غير زائلة وهم حكماء علماء. وقرئ لا لغو فيها ولا تأثيم (غلمان لهم) أي مملوكون لهم مخصوصون بهم (مكنون) في الصدف لأنه رطبا أحسن وأصفى أو مخزون لأنه لا يخزن إلا الثمين الغالي القيمة. وقيل لقتادة: هذا
(٢٤)
مفاتيح البحث: الكسب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»