الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٥٠
فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون * ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون * ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون * حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون * وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون * وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم
____________________
الدخول في الضلالة على الدخول في الرشد. فإن قلت: أليس معنى هديته حصلت فيه الهدى والدليل عليه قولك هديته فاهتدى بمعنى تحصيل البغية وحصولها كما تقول ردعته فارتدع، فكيف ساغ استعماله في الدلالة المجردة؟
قلت: للدلالة على أنه مكنهم وأزاح عللهم ولم يبق لهم عذرا ولا علة، فكأنه حصل البغية فيهم بتحصيل ما يوجبها ويقتضيها (صاعقة العذاب) داهية العذاب وقارعة العذاب، و (الهون) الهوان وصف به العذاب مبالغة أو أبدله منه، ولو لم يكن في القرآن حجة على القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة بشهادة نبيها صلى الله عليه وسلم وكفى به شاهدا إلا هذه الآية لكفى بها حجة. قرئ يحشر على البناء للمفعول ونحشر بالنون وضم الشين وكسرها، ويحشر على البناء للفاعل: أي يحشر الله عز وجل (أعداء الله) الكفار من الأولين والآخرين (يوزعون) أي يحبس أولهم على آخرهم: أي يستوقف سوابقهم حتى يلحق بهم تواليهم وهى عبارة عن كثرة أهل النار، نسأل الله أن يجيرنا منها بسعة رحمته. فإن قلت: ما في قوله (حتى إذا ما جاءوها) ما هي: قلت: مزيدة للتأكيد، ومعنى التأكيد فيها أن وقت مجيئهم النار لا محالة أن يكون وقت الشهادة عليهم ولا وجه لأن يخلو منها، ومثله قوله تعالى - أثم إذا ما وقع آمنتم به - أي لابد لوقت وقوعه من أن يكون وقت إيمانهم به. شهادة الجلود بالملامسة للحرام وما أشبه ذلك مما يفضى إليها من المحرمات. فإن قلت: كيف تشهد عليهم أعضاؤهم وكيف تنطق؟ قلت: الله عز وجل ينطقها كما أنطق الشجرة بأن يخلق فيها كلاما، وقيل المراد بالجلود الجوارح، وقيل هي كناية عن الفروج.
(٤٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 445 446 447 448 449 450 451 452 453 454 455 ... » »»