الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٤٦
* فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء
____________________
الكره. والغرض تصوير أثر قدرته في المقدورات لاغير من غير أن يحقق شئ من الخطاب والجواب، ونحوه قول القائل: قال الجدار للوتد: لم تشقني؟ قال الوتد: اسأل من يدقني فلم يتركني ورائي الحجر الذي ورائي.
فإن قلت: لم ذكر الأرض مع السماء وانتظمهما في الأمر بالإتيان والأرض مخلوقة قبل السماء بيومين؟ قلت:
قد خلق جرم الأرض أولا غير مدحوة ثم دحاها بعد خلق السماء كما قال تعالى - والأرض بعد ذلك دحاها - فالمعنى: ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه من الشكل والوصف، ائتي يا أرض مدحوة قرارا ومهادا لأهلك، وائتي يا سماء مقببة سقفا لهم. ومعنى الإتيان: الحصول والوقوع كما تقول أتى عمله مرضيا وجاء مقبولا، ويجوز أن يكون المعنى: لتأت كل واحدة منكما صاحبتها الإتيان الذي أريده وتقتضيه الحكمة والتدبير من كون الأرض قرارا للسماء وكون السماء سقفا للأرض وتنصره قراءة من قرأ آتيا وآتينا من المؤاتاة وهى الموافقة: أي لتؤات كل واحدة أختها ولتوافقهما، قالتا: وافقنا وساعدنا، ويحتمل وافقا أمري ومشيئتي ولا تمتنعا. فإن قلت: ما معنى طوعا أوكرها؟
قلت: هو مثل للزوم تأثير قدرته فيهما وأن امتناعها لتأثير قدرته محال كما يقول الجبار لمن تحت يده: لتفعلن هذا شئت أو أبيت ولتفعلنه طوعا أوكرها، وانتصابهما على الحال بمعنى طائعتين أو مكرهتين. فإن قلت: هلا قيل طائعتين على اللفظ أو طائعات على المعنى لأنها سماوات وأرضون؟ قلت: لما جعلن مخاطبات ومجيبات ووصفن بالطوع والكره قيل طائعين في موضع طائعات نحو قوله ساجدين (فقضاهن) يجوز أن يرجع الضمير فيه إلى السماء على المعنى
(٤٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 441 442 443 444 445 446 447 448 449 450 451 ... » »»