الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٤٥
* ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين
____________________
في كم خلقت الأرض وما فيها؟ أو بقدر أي قدر فيها الأقوات لأجل الطالبين لها المحتاجين إليها من المقتاتين؟ وهذا الوجه الأخير لا يستقيم إلا على تفسير الزجاج. فإن قلت: هلا قيل في يومين وأي فائدة في هذه الفذلكة؟ قلت:
إذا قال في أربعة أيام وقد ذكر أن الأرض خلقت في يومين علم أن ما فيها خلق في يومين فبقيت المخايرة بين أن تقول في يومين وأن تقول في أربعة أيام سواء فكانت في أربعة أيام سواء فائدة ليست في يومين، وهى الدلالة على أنها كانت أياما كاملة بغير زيادة ولا نقصان، ولو قال في يومين وقد يطلق اليومان على أكثرهما لكان يجوز أن يريد باليومين الأولين والآخرين أكثرهما (ثم استوى إلى السماء) من قولك استوى إلى مكان كذا إذا توجه إليه توجها لا يلوى على شئ، وهو من الاستواء الذي هو ضد الاعوجاج ونحوه قولهم استقام إليه وامتد إليه، ومنه قوله تعالى - فاستقيموا إليه - والمعنى ثم دعاه داعي الحكمة إلى خلق السماء بعد خلق الأرض وما فيها من غير صارف يصرفه عن ذلك. قيل كان عرشه قبل خلق السماوات والأرض على الماء، فأخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء وعلا عليه، فأيبس الماء فجعله أرضا واحدة، ثم فتقها فجعلها أرضين، ثم خلق السماء من الدخان المرتفع.
ومعنى أمر السماء والأرض بالإتيان وامتثالهما أنه أراد تكوينهما فلم يمتنعا عليه ووجدتا كما أرادهما وكانتا في ذلك كالمأمور المطيع إذا ورد عليه فعل الآمر المطاع وهو من المجاز الذي يسمى التمثيل. ويجوز أن يكون تخييلا ويبنى الأمر فيه على أن الله تعالى كلم السماء والأرض وقال لهما ائتيا شئتما ذلك أو أبيتماه، فقالتا: أتينا على الطوع لا على
(٤٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 440 441 442 443 444 445 446 447 448 449 450 ... » »»