الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٣٤
سيدخلون جهنم داخرين * الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون * ذلكم الله ربكم خالق كل شئ لا إله إلا هو فأنى تؤفكون * كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون * الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم
____________________
طاعتي عن الدعاء أعطيته أفضل ما أعطى السائلين " وروى النعمان بن بشير رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " الدعاء هو العبادة وقرأ هذه الآية " ويجوز أن يريد الدعاء والاستجابة على ظاهرهما، ويريد بعبادتي دعائي لأن الدعاء باب من العبادة ومن أفضل أبوابها يصدقه قول ابن عباس رضي الله عنهما: أفضل العبادة الدعاء وعن كعب: أعطى الله هذه الأمة ثلاث خلال لم يعطهن إلا نبيا مرسلا: كان يقول لكل نبي أنت شاهدي على خلقي وقال لهذه الأمة - لتكونوا شهداء على الناس - وكان يقول ما عليك من حرج وقال لنا - ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج - وكان يقول ادعني أستجب لك وقال لنا - ادعوني أستجب لكم - وعن ابن عباس: وحدوني أغفر لكم، وهذا تفسير للدعاء بالعبادة ثم للعبادة بالتوحيد (داخرين) صاغرين (مبصرا) من الإسناد المجازى لأن الإبصار في الحقيقة لأهل النار. فإن قلت: لم قرن الليل بالمفعول له والنهار بالحال، وهلا كانا حالين أو مفعولا لهما فيراعى حق المقابلة؟ قلت: هما متقابلان من حيث المعنى لأن كل واحد منهما يؤدى مؤدى الآخر، ولأنه لو قيل لتبصروا فيه فاتت الفصاحة التي في الإسناد المجازى، ولو قيل ساكنا والليل يجوز أن يوصف بالسكون على الحقيقة، ألا ترى إلى قولهم ليل ساج وساكن لاريح فيه لم تتميز الحقيقة من المجاز. فإن قلت: فهلا قيل لمفضل أو لمتفضل. قلت: لأن الغرض تنكير الفضل وأن يجعل فضلا لا يوازيه فضل وذلك إنما يستوى بالإضافة.
فإن قلت: فلو قيل ولكن أكثرهم فلا يتكرر ذكر الناس. قلت: في هذا التكرير تخصيص لكفران النعمة بهم وأنهم هم الذين يكفرون فضل الله ولا يشكرونه كقوله - إن الإنسان لكفور - إن الإنسان لربه لكنود - إن الإنسان لظلوم كفار - (ذلكم) المعلوم المتميز بالأفعال الخاصة التي لا يشاركه فيها أحد هو (الله ربكم خالق كل شئ لا إله إلا هو) أخبار مترادفة: أي هو الجامع لهذه الأوصاف من الإلهية والربوبية، وخلق كل شئ وإنشائه لا يمتنع عليه شئ والوحدانية لا ثاني له (فأنى تؤفكون) فكيف ومن أي وجه تصرفون عن عبادته إلى عبادة الأوثان ثم ذكر أن كل من جحد بآيات الله ولم يتأملها ولم يكن فيه همة طلب الحق وخشية العاقبة أفك كما أفكوا. وقرئ خالق كل شئ نصبا على الاختصاص، وتؤفكون بالتاء والياء. هذه أيضا دلالة على أخرى على تميزه بأفعال خاصة وهى أنه جعل الأرض مستقرا (والسماء بناء) أي قبة، ومنه أبنية العرب لمضاربهم لأن السماء في منظر العين كقبة
(٤٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 429 430 431 432 433 434 435 436 437 438 439 ... » »»