الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٣٦
ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون * هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون * ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون * الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون * في الحميم ثم في النار يسجرون * ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون * من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعوا
____________________
ذكر تناصر الأدلة أدلة العقل وأدلة السمع أقوى في إبطال مذهبهم وإن كانت أدلة العقل وحدها كافية (لتبلغوا أشدكم) متعلق بفعل محذوف تقديره: ثم يبقيكم لتبلغوا وكذلك لتكونوا، وأما (ولتبلغوا أجلا مسمى) فمعناه: ونفعل ذلك لتبلغوا أجلا مسمى وهو وقت الموت، وقيل يوم القيامة. وقرئ شيوخا بكسر الشين وشيخا على التوحيد كقوله - طفلا - والمعنى كل واحد منكم، أو اقتصر على الواحد لأن الغرض بيان الجنس (من قبل) من قبل الشيخوخة أو من قبل هذه الأحوال إذا خرج سقطا (ولعلكم تعقلون) ما في ذلك من العبر والحجج (فإذا قضى أمرا فإنما) يكونه من غير كلفة ولا معاناة جعل هذا نتيجة من قدرته على الإحياء والإماتة وسائر ما ذكر من أفعاله الدالة على أن مقدورا لا يمتنع عليه كأنه قال: فلذلك من الاقتدار إذا قضى أمرا كان أهون شئ وأسرعه (بالكتاب) بالقرآن (وبما أرسلنا به رسلنا) من الكتب. فإن قلت: وهل قوله (فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم) إلا مثل قولك سوف أصوم أمس؟ قلت: المعنى على إذا إلا أن الأمور المستقبلة لما كانت في أخبار الله تعالى متيقنة مقطوعا بها عبر عنها بلفظ ما كان ووجد والمغنى على الاستقبال. وعن ابن عباس: والسلاسل يسحبون بالنصب وفتح الياء على عطف الجملة الفعلية على الاسمية. وعنه: والسلاسل يسحبون بجر السلاسل، ووجهه أنه لو قيل إذ أعناقهم في الأغلال مكان قوله - إذ الأغلال في أعناقهم - لكان صحيحا مستقيما فلما كانتا عبارتين متعقبتين حمل قوله والسلاسل على العبارة الأخرى ونظيره:
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة * ولا ناعب إلا بين غرابها كأنه قيل بمصلحين، وقرئ وبالسلاسل يسحبون (في النار يسجرون) من سجر التنور إذا ملأه بالوقود ومنه السجير كأنه سجر بالحب: أي ملئ، ومعناه: أنهم في النار فهي محيطة بهم وهم مسجورون بالنار مملوءة بها أجوافهم، ومنه قوله تعالى - نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة - اللهم أجرنا من نارك فإنا عائذون بجوارك (ضلوا عنا) غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا ننتفع بهم. فإن قلت: أما ذكرت في تفسير قوله تعالى - إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم - أنهم مقرونون بآلهتهم فكيف يكونون معهم وقد ضلوا عنهم؟ قلت: يجوز أن يضلوا عنهم إذا وبخوا. وقيل لهم أينما كنتم تشركون من دون الله فيغيثوكم ويشفعوا لكم وأن يكونوا معهم في سائر الأوقات وأن يكونوا معهم في جميع أوقاتهم، إلا أنهم لما لم ينفعوهم فكأنهم ضالون عنهم (بل لم نكن ندعوا
(٤٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 431 432 433 434 435 436 437 438 439 440 441 ... » »»