الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٤٨
ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا
____________________
الإيمان بهما وبجميع الرسل ممن جاء من بين أيديهم: أي من قبلهم وممن يجئ من خلفهم: أي من بعدهم، فكأن الرسل جميعا قد جاءوهم، وقولهم: - إنا بما أرسلتم به كافرون - خطاب منهم لهود وصالح ولسائر الأنبياء الذين دعوا إلى الإيمان بهم. أن في (أن لا تعبدوا) بمعنى أي أو مخففة من الثقيلة أصله بأنه لا تعبدوا: أي بأن الشأن والحديث قولنا لكم لا تعبدوا، ومفعول شاء محذوف أي (لو شاء ربنا) إرسال الرسل (لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون) معناه: فإذا أنتم بشر ولستم بملائكة فإنا لا نؤمن بكم وبما جئتم به، وقولهم: أرسلتم به ليس بإقرار بالإرسال وإنما هو على كلام الرسل وفيه تهكم كما قال فرعون إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون. روى أن أبا جهل قال في ملأ من قريش: قد التبس علينا أمر محمد فلو التمستم لنا رجلا عالما بالشعر والكهانة والسحر فكلمه، ثم أتانا ببيان عن أمره فقال عتبة بن ربيعة: والله لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر وعلمت من ذلك علما وما يخفى على فأتاه فقال: أنت يا محمد خير أم هاشم، أنت خير أم عبد المطلب، أنت خير أم عبد الله، فبم تشتم آلهتنا وتضللنا؟ فإن كنت تريد الرياسة عقدنا لك اللواء فكنت رئيسنا، وإن تك بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من أي بنات قريش شئت، وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغنى به، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت، فلما فرغ قال - بسم الله الرحمن الرحيم حم - إلى قوله - صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود - فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش، فلما احتبس عنهم قالوا: ما نرى عتبة إلا قد صبأ، فانطلقوا إليه وقالوا: يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك قد صبأت، فغضب وأقسم لا يكلم محمدا أبدا، ثم قال: والله لقد كلمته فأجابني بشئ والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر، ولما بلغ صاعقة عاد وثمود أمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب، فخفت أن ينزل بكم العذاب (فاستكبروا في الأرض) أي تعظموا فيها على أهلها بما لا يستحقون به التعظم وهو القوة وعظم الأجرام أو استعلوا في الأرض واستولوا على أهلها بغير استحقاق للولاية (من أشد منا قوة) كانوا ذوي أجسام طوال وخلق عظيم وبلغ من قوتهم أن الرجل كان ينزع الصخرة من الجبل فيقتلعها بيده. فإن قلت: القوة هي الشدة والصلابة في البنية وهى نقيضة الضعف، وأما القدرة فما لأجله يصح الفعل من الفاعل من تميز بذات أو بصحة بنية وهى نقيضة العجز، والله سبحانه وتعالى لا يوصف بالقوة إلا على معنى القدرة فكيف صح قوله (هو أشد منهم قوة) وإنما يصح إذا أريد بالقوة في الموضعين شئ واحد؟ قلت: القدرة في الإنسان هي صحة البنية والاعتدال والقوة
(٤٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 443 444 445 446 447 448 449 450 451 452 453 ... » »»