الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٦١
قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير * ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير * أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شئ قدير * وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله
____________________
الآية قبلها من أن الله تعالى هو الرقيب عليهم وما أنت برقيب عليهم ولكن نذير لهم، لأن هذا المعنى كرره الله في كتابه في مواضع جمة، والكاف مفعول به لأوحينا، و (قرآنا عربيا) حال من المفعول به: أي أوحيناه إليك وهو قرآن عربي بين لالبس فيه عليك لتفهم ما يقال لك ولا تتجاوز حد الإنذار. ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى مصدر أوحينا: أي ومثل ذلك الإيحاء البين المفهم أوحينا إليك قرآنا عربيا بلسانك (لتنذر) يقال أنذرته كذا وأنذرته بكذا، وقد عدى الأول: أعني لتنذر أم القرى إلى المفعول الأول والثاني وهو قوله - وتنذر يوم الجمع - إلى المفعول الثاني (أم القرى) أهل أم القرى كقوله تعالى - واسئل القرية - (ومن حولها) من العرب. وقرئ لينذر بالياء والفعل للقرآن (يوم الجمع) يوم القيامة لأن الخلائق تجمع فيه قال الله تعالى - يوم يجمعكم ليوم الجمع - وقيل يجمع بين الأرواح والأجساد، وقيل يجمع بين كل عامل وعمله، و (لا ريب فيه) اعتراض لا محل له.
قرئ فريق وفريقا بالرفع والنصب، فالرفع على منهم فريق ومنهم فريق، والضمير للمجموعين لأن المعنى يوم جمع الخلائق، والنصب على الحال منهم: أي متفرقين كقوله تعالى - ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون - فإن قلت:
كيف يكونون مجموعين متفرقين في حالة واحدة؟ قلت: هم مجموعون في ذلك اليوم مع افتراقهم في داري البؤس والنعيم كما يجتمع الناس يوم الجمعة متفرقين في مسجدين، وإن أريد بالجمع جمعهم في الموقف فالتفرق على معنى مشارفتهم للتفرق (لجعلهم أمة واحدة) أي مؤمنين كلهم على القسر والإكراه كقوله تعالى - ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها - وقوله تعالى - ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا - والدليل على أن المعنى هو الإلجاء إلى الإيمان قوله - أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين - وقوله تعالى - أفأنت تكره - بإدخال همزة الإنكار على المكره دون فعله دليل على أن الله وحده هو القادر على هذا الإكراه دون غيره، والمعنى: ولو شاء ربك مشيئة قدرة لقسرهم جميعا على الإيمان، ولكنه شاء مشيئة حكمة فكلفهم وبنى أمرهم على ما يختارون ليدخل المؤمنين في رحمته وهم المرادون بمن يشاء: ألا ترى إلى وضعهم في مقابلة الظالمين ويترك الظالمين بغير ولى ولا نصير في عذابه معنى الهمزة في (أم) الإنكار (فالله هو الولي) هو الذي يجب أن يتولى وحده ويعتقد أنه المولى والسيد، فالفاء في قوله - فالله هو الولي - جواب شرط مقدر كأنه قيل بعد إنكار كل ولى سواه إن أرادوا وليا بحق فالله هو الولي بالحق لا ولى سواه (وهو يحيى) أي ومن شأن هذا الولي أنه يحيى (الموتى وهو على كل شئ قدير) فهو الحقيق بأن يتخذ وليا دون من لا يقدر على شئ (وما اختلفتم فيه من شئ) حكاية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين: أي ما خالفكم فيه الكفار من أهل الكتاب والمشركين فاختلفتم أنتم وهم فيه من أمر من أمور الدين،
(٤٦١)
مفاتيح البحث: الموت (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 456 457 458 459 460 461 462 463 464 465 466 ... » »»