الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٥٤
* وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم * ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون * فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسئمون * ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شئ قدير
____________________
ذلك رجل أساء إليك إساءة فالحسنة أن تعفو عنه، والتي هي أحسن أن تحسن إليه مكان إساءته إليك، مثل أن يذمك فتمدحه ويقتل ولدك فتفتدى ولده من يد عدوه، فإنك إذا فعلت ذلك انقلب عدوك المشاق مثل الولي الحميم مصافاة لك. ثم قال: وما يلقى هذه الخليقة أو السجية التي هي مقابلة الإساءة بالإحسان إلا أهل الصبر.
وإلا رجل خير وفق لحظ عظيم من الخير. فإن قلت: فهلا قيل فادفع بالتي هي أحسن؟ قلت: هو على تقدير قائل قال: فكيف أصنع؟ فقيل - ادفع بالتي هي أحسن - وقيل لا مزيدة، والمعنى: ولا تستوى الحسنة والسيئة.
فإن قلت: فكان القياس على هذا التفسير أن يقال: ادفع بالتي هي أحسن. قلت: أجل ولكن وضع التي هي أحسن موضع الحسنة ليكون أبلغ في الدفع بالحسنة، لأن من دفع بالحسنى هان عليه الدفع بما هو دونها. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: بالتي هي أحسن الصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، وفسر الحظ بالثواب. وعن الحسن رحمه الله: والله ما عظم حظ دون الجنة. وقيل نزلت في أبي سفيان بن حرب وكان عدوا مؤذيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فصار وليا مصافيا. النزغ والنسغ بمعنى وهو شبه النخس، والشيطان ينزغ الإنسان كأنه ينخسه ببعثه على مالا ينبغي، وجعل النزغ نازغا كما قيل جد جده، أو أريد وإما ينزغنك نازغ وصفا للشيطان بالمصدر أو لتسويله، والمعنى: وإن صرفك الشيطان عما وصيت به من الدفع بالتي هي أحسن (فاستعذ بالله) من شره وامض على شأنك ولا تطعه. الضمير في (خلقهن) لليل والنهار والشمس والقمر لأن حكم جماعة مالا يعقل حكم الأنثى أو الإناث، يقال الأقلام بريتها وبريتهن أو لما قال: ومن آياته كن في معنى الآيات فقيل خلقهن. فإن قلت: أين موضع السجدة؟ قلت: عند الشافعي رحمه الله تعالى (تعبدون) وهى رواية مسروق عن عبد الله لذكر لفظ السجدة قبلها. وعند أبي حنيفة رحمه الله يسأمون لأنها تمام المعنى، وهى عن ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب: لعل ناسا منهم كانوا يسجدون للشمس والقمر كالصابئين في عبادتهم الكواكب ويزعمون أنهم يقصدون بالسجود لهما السجود لله، فنهوا عن هذه الواسطة وأمروا أن يقصدوا بسجودهم وجه الله تعالى خالصا إن كانوا إياه يعبدون، وكانوا موحدين غير مشركين (فإن استكبروا) ولم يمتثلوا ما أمروا به وأبوا إلا الواسطة فدعهم وشأنهم، فإن الله عز سلطانه لا يعدم عابدا ولا ساجدا بالإخلاص وله العباد المقربون الذين ينزهونه بالليل والنهار عن الأنداد، وقوله (عند ربك) عبارة عن الزلفى والمكانة والكرامة وقرئ لا يسأمون بكسر الياء. الخشوع: التذلل والتقاصر، فاستعير لحال الأرض إذا كانت قحطة لانبات فيها كما وصفها بالهمود في قوله تعالى - وترى الأرض هامدة - وهو خلاف وصفها بالاهتزاز والربو وهو الانتفاخ
(٤٥٤)
مفاتيح البحث: الموت (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 459 ... » »»